وعطاء قالا : فإن الله قد أحل ذبائحهم وهو يعلم ما يقولون» (١).
والمعنى : إن الله أسبغ عليكم نعمه ـ أيها المؤمنون ـ وأكمل لكم دينه ، ويسر لكم شرعه ، ومن مظاهر ذلك أنه ـ سبحانه ـ أحل لكم التمتع بالطيبات ، كما أحل لكم أن تأكلوا من ذبائح أهل الكتاب. وأن تطعموهم من طعامكم.
قال ابن كثير : وهذا أمر مجمع عليه بين العلماء ، أن ذبائحهم حلال للمسلمين ، لأنهم يعتقدون تحريم الذبح لغير الله ، ولا يذكرون على ذبائحهم إلا اسم الله ، وإن اعتقدوا فيه ما هو منزه عنه ـ تعالى وتقدس ـ (٢).
وإنما قال : (وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ) أى يحل لكم ان تطعموهم من طعامكم للتنبيه على أن الحكم مختلف في الذبائح عن المناكحة. فإن إباحة الذبائح حاصلة من الجانبين ، بخلاف إباحة المناكحات فإنها في جانب واحد ، إذ لا يحل لغير المسلم أن يتزوج بمسلمة ، لأنه لو جاز ذلك لكان لأزواجهن الكفار ولاية شرعية عليهن ، والله ـ تعالى ـ لم يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلا شرعيا ، بخلاف إباحة الطعام من الجانبين فإنها لا تستلزم محظورا.
قال بعض العلماء : والجمهور على حل ذبائح أهل الكتاب إذا أهريق الدم ، وقد اتفق الجمهور على حل هذه الذبائح ، والخلاف عندهم فيما عدا الذبائح التي ثبت حلها بالنص ، وأما غير الذبائح فهو قسمان :
القسم الأول : ما لا عمل لهم فيه كالفاكهة والبر وهو حلال بالاتفاق.
والقسم الثاني : ما لهم فيه عمل وهو قسمان ـ أيضا ـ أحدهما ، ما يحتمل دخول النجاسات فيه كاستخراج الزيوت من النباتات أو الحيوانات وهذا قد اختلف فيه الفقهاء. فمنهم من منعه لاحتمال النجاسة ، ومن هؤلاء : ابن عباس ، لأن احتمال النجاسة ثابت ، وهو يمنع الحل. وقد تبع هذا الرأى بعض المالكية ، ومن هؤلاء الطرطوسي وقد صنف في تحريم جبن النصارى ويجرى مجرى الجبن الزيت ، وعلى هذا الرأى يجرى مجراها السمن الهولاندى وما شابهه. ولكن الجمهور على جواز ذلك مادام لم يثبت أنه اختلط بهذا النوع من الطعام نجاسة ، والثاني : المحرم ، وهو ما ثبت أنه قد دخله نجاسة بأن دخله أجزاء من الخمر أو الميتة ، أو الخنزير ، أو غير ذلك من المحرمات» (٣).
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٦ ص ٦٥
(٢) ابن كثير ج ٢ ص ١٩
(٣) تفسير الآية الكريمة لفضيلة الأستاذ الشيخ محمد أبو زهرة. مجلة لواء الإسلام العدد الرابع من السنة التاسعة عشرة.