ومن هذه الأحاديث ما جاء في الصحيحين والسنن عن عثمان وعلى وابن عباس. أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم غسل الرجلين في وضوئه إما مرة ، وإما مرتين أو ثلاثا. على اختلاف رواياتهم.
وفي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم توضأ فغسل قدميه ثم قال : «هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به».
وعن جابر بن عبد الله قال : رأى النبي صلىاللهعليهوسلم في رجل رجل مثل الدرهم لم يغسله فقال : «ويل للأعقاب من النار».
ثم قال ابن كثير : ووجه الدلالة من هذه الأحاديث ظاهرة. وذلك أنه لو كان فرض الرجلين مسحهما ، أو أنه يجوز ذلك لما توعد على تركه ، لأن المسح لا يستوعب جميع الرجل. بل يجرى فيه ما يجرى في مسح الخف (١).
ويرى الزمخشري أن قراءة الجر في قوله (وَأَرْجُلَكُمْ) محمولة في المعنى على النصب ويكون السبب في عطفها على الرءوس المجرورة ، للإشارة إلى وجوب عدم الإسراف في الماء. فقد قال : فإن قلت : فما تصنع بقراءة الجر ودخولها في حكم المسح؟ قلت : الأرجل من بين الأعضاء الثلاثة المغسولة تغسل بصب الماء عليها : فكانت مظنة للإسراف المذموم المنهي عنه ، فعطفت على الثالث المسموح لا لتمسح ، ولكن لينبه على وجوب الاقتصاد في صب الماء عليها.
وقد وضح هذا المعنى الشيخ ابن المنير بقوله : لم يوجه الزمخشري قراءة الجر بما يشفى الغليل. والوجه فيه أن الغسل والمسح متقاربان من حيث أن كل واحد منهما مساس بالعضو ، فيسهل عطف المغسول على الممسوح من ثم ، كقوله : متقلدا سيفا ورمحا. وعلفتها تبنا وماء باردا. ونظائره كثيرة.
ثم يقال : ما فائدة هذا التشريك بعلة التقارب؟ وهلا أسند إلى كل واحد منهما الفعل الخاص به على الحقيقة؟ فيقال : فائدته الإيجاز والاختصار. وتحقيقه أن الأصل أن يقال مثلا : واغسلوا أرجلكم غسلا خفيفا لا إسراف فيه كما هو المعتاد ، فاختصرت هذه المقاصد بإشراكه الأرجل مع الممسوح ، ونبه بهذا التشريك ـ الذي لا يكون إلا في الفعل الواحد أو الفعلين المتقاربين جدا. على أن الغسل المطلوب في الأرجل غسل خفيف يقارب المسح. وحسن إدراجه معه تحت صيغة واحدة وهذا تقرير كامل لهذا المقصود» (٢).
هذا ومن كل ما تقدم نرى وجوب غسل الرجلين في الوضوء سواء أكانت القراءة بالنصب أم
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٢٦
(٢) تفسير الكشاف وحاشيته ج ١ ص ٦١٠