والقسط : العدل يقال أقسط فلان يقسط إذا عدل في أقواله وأحكامه وقوله (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ) أى : ولا يحملنكم من جرمه على كذا إذا حمله عليه أو معناه : ولا يكسبنكم من جرم بمعنى كسب غير أنه في كسب ما لا خير فيه ومنه الجريمة وأصل الجرم قطع الثمرة من الشجرة وأطلق على الكسب ؛ لأن الكاسب ينقطع لكسبه والشنآن : البغض الشديد. يقال : شنئت الرجل أشنؤه شنأ وشنأة وشنآنا ، إذا أبغضته بغضا شديدا.
والمعنى. يا أيها الذين آمنوا بالحق إيمانا صادقا (كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ) أى. ليكن من أخلاقكم وصفاتكم أن تقوموا لله وحده بالحق في كل ما يلزمكم القيام به. ومن العمل بطاعته ، واجتناب منهياته ، وليكن من دأبكم وشأنكم ـ أيضا ـ أن تلتزموا العدل في شهادتكم ، ولا يحملنكم بغضكم الشديد لقوم على عدم العدل معهم ، فإن عدم العدل في الأقوال والأحكام يتنافى مع تعاليم دين الإسلام. الذي آمنتم به ، ورضيه الله لكم دينا.
وفي ندائه ـ سبحانه ـ بقوله : (كُونُوا قَوَّامِينَ) بصفة الكينونة الدالة على الدوام ، وبصيغة المبالغة الدالة على الكثرة. لتمكين صفة الطاعة له من نفوسهم ، وترسيخها في قلوبهم.
فكأنه ـ سبحانه ـ يقول لهم : روضوا أنفسكم على طاعة خالقكم ، وعودوها على التزام الحق والعدل. واجعلوا ذلك شأنكم في جميع الظروف والأحوال فلا يكفى أن تلتزموا الطاعة والعدل مرة أو مرتين ، وإنما الواجب عليكم أن يكون التزامكم لذلك في كل أوقاتكم وأعمالكم.
وقوله : (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) تصريح بوجوب العدل بعد ما علم من النهى عن تركه في قوله (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا) للتأكيد على وجوب التزامهم بما أمرهم ـ سبحانه ـ به وما نهاهم عنه ، ولبيان العلة في تكليفهم بذلك.
والضمير (هُوَ) يعود إلى المصدر المفهوم من قوله : (اعْدِلُوا).
أى : التزموا ـ أيها المؤمنون ـ العدل في كل أحوالكم ، فإن العدل مع الأعداء ومع غيرهم أقرب إلى اتقاء المعاصي ، وإلى صيانة النفس عن الوقوع في المهالك.
وقال ـ سبحانه (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) مع أن العدل دليل التقوى ولبابها لأن المؤمن في حال حربه وتعامله مع عدوه قد يرى أن من التقوى أن يستبيح ما له ، وأن يأخذ منه ما يمكن