للنبي وأصحابه فقال : وأولى الأقوال بالصحة في تأويل ذلك قول من قال : عنى الله بالنعمة التي ذكر في هذه الآية نعمته على المؤمنين به وبرسوله التي أنعم بها عليهم في استنقاذه نبيهم صلىاللهعليهوسلم مما كانت يهود بنى النضير همت به من قتله وقتل من معه يوم سار إليهم في الدية التي كان تحملها عن قتيلى عمرو بن أمية وإنما قلنا ذلك أولى بالصحة في تأويل ذلك لأن الله عقب ذكر ذلك برمي اليهود بسوء صنائعها ، وقبيح أفعالها ، وخيانتها ربها وأنبياءها (١).
والمعنى : يا أيها الذين آمنوا تنبهوا إلى نعم الله عليكم وقابلوها بدوام الشكر والطاعة له ـ سبحانه ـ حيث أراد قوم من أعدائكم ، أن يبسطوا إليكم أيديهم. أى : أن يبطشوا بكم بالقتل والإهلاك ولكنه ـ سبحانه ـ رحمة بكم ، ودفاعا عنكم ، حال بين أعدائكم وبين ما يريدونه بكم من سوء.
فالآية الكريمة تذكير للمؤمنين بنعمة عظيمة من نعم الله عليهم حيث نجاهم من كيد أعدائهم ، ومن محاولتهم إهلاكهم. إثر تذكيرهم قبل ذلك بنعم أخرى كإكمال الدين ، وهدايتهم إلى الإسلام ، وغير ذلك من الآلاء والمنن.
وفي تكرار هذا التذكير ما فيه من الحض على تأكيد المداومة على طاعة الله والمواظبة على شكره.
وقوله (إِذْ هَمَّ قَوْمٌ) ظرف لقوله : (نِعْمَتَ اللهِ) والهم : إقبال النفس على فعل الشيء. أى : اذكروا نعمة الله عليكم وقت أن قصدكم قوم من أعدائكم بالسوء والإهلاك.
وبسط اليد هنا كناية عن البطش والإهلاك. يقال : بسط يده إليه ، إذا بطش به. وبسط إليه لسانه : إذا شتمه. والبسط في الأصل : مطلق المد. وإذا استعمل في اليد واللسان كان كناية عما ذكر.
وقوله : (فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ) معطوف على قوله : (هَمَّ قَوْمٌ) وهذا الكف هو النعمة التي قصد تذكيرهم بها حتى يداوموا على شكره وطاعته وعبر ـ سبحانه ـ بقوله (إِذْ هَمَّ قَوْمٌ) للإيذان بأن نعمة كف أيدى الأعداء عنهم قد جاءت عند شدة الحاجة إليها والفاء في قوله (فَكَفَ) للتعقيب المفيد لتمام النعمة وكمالها فهو ـ سبحانه ـ قد حال بين الأعداء وبين ما يشتهونه بمجرد أن قصدوا السوء بالمؤمنين.
وقال ـ سبحانه ـ (فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ) بإظهار الأيدى ، ولم يقل فكفها عنكم ؛ لزيادة
__________________
(١) تفسير ابن جرير ج ٦ ص ١٤٧