والمعية في قوله ـ تعالى ـ (وَقالَ اللهُ إِنِّي مَعَكُمْ) معية مجازية بمعنى الحفظ والرعاية والنصرة.
أى : أخذ الله على بنى إسرائيل العهود الموثقة ، وأمر نبيه موسى أن يرسل منهم اثنى عشر نقيبا لمعرفة أحوال الجبارين الذين يسكنون الأرض المقدسة وقال الله ـ تعالى ـ لهؤلاء النقباء ، أو لبنى إسرائيل جميعا : إنى معكم لا تخفى علىّ خافية من أحوالكم. وسأؤيدكم برعايتي ونصرى متى وفيتم بعهدي ، واتبعتم رسلي. فالجملة الكريمة تحذير لهم من معصية الله ؛ لأنه لا تخفى عليه خافية ، ووعد لهم بالنصر متى أطاعوه.
ثم بين ـ سبحانه ـ بعض التكاليف التي كلفهم بها ، وأخذ عليهم العهد بالمحافظة عليها فقال : (لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ ، وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ ، وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي ، وَعَزَّرْتُمُوهُمْ ، وَأَقْرَضْتُمُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً ، لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ ، وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ).
واللام في قوله (لَئِنْ) موطئة للقسم المحذوف ، و «إن» شرطية ، وقوله : (لَأُكَفِّرَنَ) جواب القسم وجواب الشرط محذوف لدلالة جواب القسم عليه.
وقوله : (وَعَزَّرْتُمُوهُمْ) من التعزيز بمعنى النصر والإعانة مع التعظيم والتفخيم يقال : عزر فلان فلانا إذا نصره وقواه ، وأصل معناه : المنع والذب ؛ لأن من نصر إنسانا منع عنه أعداءه.
والمعنى : لئن داومتم على إقامة الصلاة ، وعلى أدائها على الوجه الأكمل بخضوع وخشوع ، وأعطيتم الزكاة لمستحقيها (وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي) إيمانا كاملا ، ونصرتموهم مع تعظيمهم وطاعتهم (وَأَقْرَضْتُمُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً) بأن أنفقتم جانبا من أموالكم في وجوه الخير والبر ، لئن فعلتم ذلك (لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) بأن أغفرها لكم ، ولأدخلنكم في الآخرة جنات تجرى من تحت أشجارها وبساتينها الأنهار فأنت ترى أن الله ـ تعالى ـ قد كلف بنى إسرائيل بخمسة أمور نافعة ووعدهم على أدائها بتكفير سيئاتهم في الدنيا ، وبإدخالهم جناته في الآخرة.
قال الإمام الرازي : وأخر ـ سبحانه ـ الإيمان بالرسل عن إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة مع أنه مقدم عليها ؛ لأن اليهود كانوا مقرين بأنه لا بد في حصول النجاة من الصلاة وإيتاء الزكاة ، إلا أنهم كانوا مصرين على تكذيب بعض الرسل. فذكر بعد إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة أنه لا بد من الإيمان بجميع الرسل حتى يحصل المقصود. وإلا لم يكن لإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة تأثير في حصول النجاة بدون الإيمان بجميع الرسل» (١).
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ج ١١ ص ١٨٥