جمع نصران كندامى جمع ندمان ، ولم يستعمل نصران إلا بياء النسب. وقد صارت كلمة نصراني لكل من اعتنق المسيحية.
وقد سموا بذلك لدعواهم أنهم أنصار عيسى على أعدائهم. أو نسبة إلى بلدة الناصرة التي فيها نشأ عيسى ـ عليهالسلام ـ وأعلن دعوته للناس.
والمعنى : وكما أخذنا على بنى إسرائيل الميثاق بأن يعبدوا الله وحده ويطيعوا أنبياءه ، ويستجيبوا لمحمد صلىاللهعليهوسلم الذي بشرت به الكتب السماوية ، فقد أخذنا ـ أيضا ـ من الذين قالوا إنا نصارى الميثاق بذلك ، ولكنهم كان شأنهم في الكفر ونقض العهود كشأن اليهود ، إذ ترك هؤلاء الذين قالوا إنا نصارى قدرا كبيرا ، ونصيبا عظيما مما ذكروا به على لسان عيسى عليهالسلام ـ فقد أمرهم بتوحيد الله ، وبشرهم بظهور رسول من بعده هو محمد صلىاللهعليهوسلم ودعاهم إلى الإيمان به ، ولكنهم استحبوا الكفر على الإيمان ، فكان دأبهم كدأب بنى إسرائيل في العناد والضلال.
ونسب ـ سبحانه ـ تسميتهم نصارى إلى أنفسهم فقال : (وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى) ولم يقل : «ومن النصارى» للإشارة إلى أن ادعاءهم النصرانية وهي الدين الذي جاء به عيسى. إنما هو قول يقولونه بأفواههم دون أن يتبعوه بقلوبهم إذ لو كانوا متبعين حقا لما جاء به عيسى عليهالسلام ـ لأقروا لله ـ تعالى ـ بالوحدانية ولآمنوا بمحمد صلىاللهعليهوسلم الذي بشر به عيسى ـ عليهالسلام ـ.
وإلى هذا المعنى أشار ـ صاحب الكشاف بقوله : فإن قلت : فهلا قيل : ومن النصارى؟
قلت : لأنهم إنما سموا أنفسهم بذلك ادعاء لنصرة الله ، وهم الذين قالوا لعيسى : نحن أنصار الله. ثم اختلفوا بعد : نسطورية ، ويعقوبية ، وملكانية ، أنصارا للشيطان» (١).
وقوله ـ تعالى : (وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) بيان لما حدث منهم بعد أخذ الميثاق.
أى : أخذنا من الذين قالوا إنا نصارى ميثاقهم على أن يعبدوا الله وحده ويطيعوا أنبياءه ورسله ولكنهم لم يكونوا أوفياء بعهودهم ، بل تركوا نصيبا كبيرا مما أمروا بفعله ومما ذكروا به على لسان المسيح عيسى بن مريم. والمراد بالنسيان هنا الترك والإهمال عن تعمد وقصد ، لأن الناسي حقيقة لا يؤاخذه الله ـ تعالى ـ :
والإتيان بالفاء في قوله : (فَنَسُوا) للإشارة إلى أن تركهم لما أخذ عليهم من ميثاق ، كان عن تعجل وعدم تمهل بسبب استيلاء الأهواء والشهوات على نفوسهم.
والتنكير في قوله تعالى : (حَظًّا) للتهويل والتكثير. أى تركوا نصيبا كبيرا مما أمرتهم به
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ١ ص ٦١٦ طبعة دار الكتاب العربي ببيروت