وقال بعض العلماء : و «يجوز أن يكون الخطاب هنا شاملا للمؤمنين ، لأن عذاب الله ـ تعالى ـ وإن كان الكافرون يستعجلونه ، تهكما به ، لظنهم أنه غير آت ، فإن المؤمنين يضمرون في نفوسهم استبطاءه ، ويحبون تعجيله للكافرين» (١).
وقوله : «سبحانه وتعالى عما يشركون» جملة مستأنفة ، قصد بها إبطال إشراكهم ، وزيادة توبيخهم وتهديدهم :
أى : تنزه الله ـ تعالى ـ وتعاظم بذاته وصفاته ، عن إشراك المشركين ، المؤدى بهم إلى الأقوال الفاسدة ، والأفعال السيئة ، والعاقبة الوخيمة. والعذاب المهين. وقوله : «يشركون» : قراءة الجمهور ، وفيها التفات من الخطاب في قوله «فلا تستعجلوه» إلى الغيبة ، تحقيرا لشأن المشركين ، وحطا من درجتهم عن رتبة الخطاب ، وحكاية لشنائعهم التي يتبرأ منها العقلاء.
وقرأ حمزة والكسائي «تشركون» تبعا لقوله ـ تعالى ـ (فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ) وعلى قراءتهما لا التفات في الآية.
ثم بين ـ سبحانه ـ لونا من ألوان قدرته ، ورحمته بعباده ، حيث أرسل إليهم الرسل مبشرين ومنذرين ، فقال تعالى ـ : (يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ ...)
والمراد بالملائكة هنا : جبريل ـ عليهالسلام ـ ومن معه من حفظة الوحى. أو المراد بهم جبريل خاصة ، ولا مانع من ذلك ، لأن الواحد قد يسمى باسم الجمع إذا كان رئيسا عظيما.
والمراد بالروح : كلام الله ـ تعالى ـ ووحيه الذي ينزل به جبريل ، ليبلغه إلى من أمره الله بتبليغه إياه.
وقد جاء ذكر الروح بمعنى الوحى في آيات منها قوله ـ تعالى ـ : (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ ، وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا ...) (٢).
والمعنى : ينزل ـ سبحانه ـ الملائكة بكلامه ووحيه ، على من يشاء إنزالهم إليه من عباده المصطفين الأخبار.
__________________
(١) تفسير التحرير والتنوير ، لفضيلة الشيخ محمد الطاهر بن عاشور ج ١٤ ص ٩٧.
(٢) سورة الشورى : الآية ٥٢.