وأطلق ـ سبحانه ـ على وحيه اسم الروح ، على سبيل التشبيه ، ووجه الشبه : أن بسببهما تكون الحياة الحقة.
فكما أن بالروح تحيا الأبدان والأجساد ، فكذلك بالوحي تحيا القلوب والنفوس وتؤدى رسالتها في هذه الحياة.
وفي قوله ـ سبحانه ـ : «من أمره» إشارة إلى أن نزول الملائكة بالوحي ، لا يكون إلا بسبب أمر الله لهم بذلك ، كما قال ـ تعالى ـ حكاية عنهم : (وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ ، وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) (١).
وقوله : «على من يشاء من عباده» رد على مطالب المشركين المتعنتة ، والتي من بينها ما حكاه الله تعالى ـ عنهم في قوله : (وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ...) (٢).
فالآية الكريمة تبين أن نزول الملائكة بالوحي ، إنما هو على من يختاره الله ـ تعالى ـ لنزول الوحى عليه ، لا على من يختارونه هم ، وأن النبوة هبة من الله ـ تعالى ـ لمن يصطفيه من عباده. قال ـ تعالى ـ : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) (٣).
وقوله : «أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاعبدون» بيان للمقصود من نزول الملائكة بالوحي على الأنبياء.
أى : أنزل ـ سبحانه ـ ملائكته بوحيه على أنبيائه ، لكي ينذر هؤلاء الأنبياء الناس ، ويخوفوهم من سوء عاقبة الإشراك بالله ، ويدعوهم إلى أن يخلصوا العبادة لله ـ تعالى ـ وحده ، ويبينوا لهم أن الألوهية لا يصح أن تكون لغيره ـ سبحانه ـ.
قال الآلوسى ما ملخصه : وقوله : (أَنْ أَنْذِرُوا) بدل من «الروح» على أن «أن» هي التي من شأنها أن تنصب المضارع ، وصلت بالأمر كما وصلت به في قولهم : كتبت إليه بأن قم.
وجوز بعضهم كون «أن» هنا مفسرة ، فلا موضع لها من الإعراب ، وذلك لما في «ينزل
__________________
(١) سورة مريم : الآية ٦٤.
(٢) سورة الزخرف الآية ٣١.
(٣) سورة الأنعام الآية ١٢٤.