الملائكة بالوحي ، من معنى القول ، كأنه قيل : يقول ـ سبحانه ـ بواسطة الملائكة لمن يشاء من عباده أن أنذروا ...» (١).
واقتصر هنا على الإنذار الذي هو بمعنى التخويف ، لأن الحديث مع المشركين ، الذين استعجلوا العذاب ، واتخذوا مع الله ـ تعالى ـ آلهة أخرى.
والفاء في قوله «فاتقون» فصيجة : أى ، إذا كان الأمر كذلك ، من أن الألوهية لا تكون لغير الله ، فعليكم أن تتقوا عقوبتي لمن خالف أمرى ، وعبد غيرى.
قال الجمل : «وفي قوله «فاتقون» تنبيه على الأحكام الفرعية بعد التنبيه على الأحكام العلمية بقوله ، «أنه لا إله إلا أنا» ، فقد جمعت الآية بين الأحكام الأصلية والفرعية» (٢).
وبعد أن بين ـ سبحانه ـ أنه منزه عن أن يكون له شريك ، وأنه قد أنزل الملائكة بوحيه على من يشاء من عباده ، وأنه لا إله يستحق العبادة سواه.
بعد كل ذلك ، بين الأدلة الدالة على قدرته ووحدانيته ، بأسلوب بديع ، جمع فيه بين دلالة المخلوق على الخالق ، ودلالة النعمة على منعمها ، ووبخ المشركين على شركهم ، تارة عن طريق خلقه وحده ـ سبحانه ـ للسموات والأرض ، وتارة عن طريق خلقه للإنسان ، وتارة عن طريق خلقه للحيوان وللنبات ، ولغير ذلك من المخلوقات التي لا تحصى.
قال ـ تعالى ـ : (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ، تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ).
والباء في قوله «بالحق» للملابسة. والحق : ضد الباطل ، وهو هنا بمعنى الحكمة والجد الذي لا هزل فيه ولا عبث معه ، كما قال ـ تعالى ـ : (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ. ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِّ ...) (٣).
أى : خلق ـ سبحانه ـ بقدرته النافذة السموات وما أظلت ، والأرض وما أقلت ، خلقا ملتبسا بالحكمة الحكيمة ، وبالجدية التي لا يحوم حولها لهو أو عبث.
وقوله : «تعالى عما يشركون» تنزيه وتقدير لذاته وصفاته ، عما قاله المشركون في شأنه ـ عزوجل ـ من أن له ولدا أو شريكا.
قال ـ تعالى ـ : (مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ ، وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ ، إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما
__________________
(١) تفسير الآلوسي ج ١٤ ص ٩٤.
(٢) حاشية الجمل ج ٢ ص ٥٥٧.
(٣) سورة الدخان الآيتان ٣٨ ، ٣٩.