خَلَقَ ، وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ ، سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ) (١).
وقد صدر ـ سبحانه ـ هذه الأدلة الدالة على وحدانيته وقدرته ، بخلق السموات والأرض ، لأن خلقهما أعظم من خلق غيرهما ، ولأنهما حاويتان لما لا يحصى من مخلوقاته ـ سبحانه ـ.
قال ـ تعالى ـ : (لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ ، وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (٢).
ثم ساق ـ سبحانه ـ دليلا آخر على انفراده بالألوهية عن طريق خلق الإنسان فقال : (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ ، فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ).
والمراد بالإنسان هنا جنس الإنسان.
وأصل النطفة : الماء الصافي. أو الماء القليل الذي يبقى في الدلو أو القربة ، وجمعها : نطف ونطاف. يقال : نطفت القربة إذا قطرت ، أى سال منها الماء وتقاطر.
والمراد بالنطفة هنا : المنى الذي هو مادة التلقيح من الرجل للمرأة.
والخصيم : الكثير الخصام لغيره ، فهو صيغة مبالغة. يقال : خصم الرجل يخصم ـ من باب تعب ـ إذا أحكم الخصومة ، فهو خصم وخصيم.
والمبين. المظهر للحجة ، المفصح عما يريده بألوان من طريق البيان.
أى : خلق ـ سبحانه ـ الإنسان. من منىّ يمنى ، أو من ماء مهين خلقا عجيبا في أطوار مختلفة ، لا يجهلها عاقل ، ثم أخرجه بقدرته من بطن أمه إلى ضياء الدنيا ، ثم رعاه برعايته ولطفه إلى أن استقل وعقل.
حتى إذا ما وصل هذا الإنسان إلى تلك المرحلة التي يجب معها الشكر لله ـ تعالى ـ الذي رباه ورعاه ، إذا به ينسى خالقه ، ويجحد نعمه ، وينكر شريعته ، ويكذب رسله ويخاصم ويجادل بلسان فصيح من بعثه الله ـ تعالى ـ لهدايته وإرشاده ، ويقول ـ كما حكى القرآن عنه ـ : (مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ..).
وإذا في قوله ـ سبحانه ـ (فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ). هي التي تسمى بإذا الفجائية التي يؤتى بها لمعنى ترتب الشيء ، على غير ما يظن أن يترتب عليه.
__________________
(١) سورة المؤمنون ، الآية ٩١.
(٢) سورة غافر ، الآية ٥٧.