وجيء بها هنا لزيادة التعجيب من حال الإنسان ، لأنه كان المنتظر منه بعد أن خلقه الله ـ تعالى ـ بقدرته ، ورباه برحمته ورعايته ، أن يشكر خالقه على ذلك ، وأن يخلص العبادة له ، لكنه لم يفعل ما كان منتظرا منه ، بل فعل ما يناقض ذلك من الإشراك والمجادلة في أمر البعث وغيره.
وشبيه بهذه الآية الكريمة قوله ـ تعالى ـ : (وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ ، وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً) (١).
وقوله ـ تعالى ـ : (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ ، وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً) (٢).
وبعد أن بين ـ سبحانه ـ ما يدل على وحدانيته وقدرته عن طريق خلقه للسموات وللأرض وللإنسان ، أتبع ذلك ببيان أدلة وحدانيته وقدرته عن طريق خلق الحيوان فقال ـ تعالى ـ : (وَالْأَنْعامَ خَلَقَها ، لَكُمْ فِيها دِفْءٌ ، وَمَنافِعُ ، وَمِنْها تَأْكُلُونَ).
والأنعام : جمع نعم ، وهي الإبل والبقر والغنم ، وقد تطلق على الإبل خاصة ،.
وانتصب الأنعام عطفا على الإنسان في قوله : (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ) ، أو هو منصوب بفعل مقدر يفسره المذكور بعده. أى : وخلق الأنعام خلقها.
والدفء : السخونة. ويقابله شدة البرد ، يقال : دفئ الرجل ـ من باب طرب ـ فهو دفأ ـ كتعب ـ ودفآن ، إذا لبس ما يدفئه ، ويبعد عنه البرد.
والمراد بالدفء هنا : ما يتخذ من أصواف الأنعام وأوبارها وأشعارها لهذا الغرض.
وعطف «منافع» على «دفء» من باب عطف العام على الخاص ، إذ المنافع تشمل ما يستدفأ به منها وغيره.
وخص الدفء بالذكر من عموم المنافع ، للعناية به وللتنويه بأهميته في حياة الناس.
أى : ومن مظاهر نعم الله ـ تعالى ـ عليكم ـ أيها الناس ـ ، أن الله ـ تعالى ـ خلق الأنعام ، وجعل لكم فيها ما تستدفئون به ، من الثياب المأخوذة من أصوافها وأوبارها وأشعارها ، فتقيكم برودة الجو وجعل لكم فيها منافع متعددة ، حيث تتخذون من ألبانها شرابا سائغا للشاربين ، ومن لحومها أكلا نافعا للآكلين.
__________________
(١) سورة الكهف الآية ٥٤.
(٢) سورة الفرقان الآية ٥٥.