مِنْ دُونِ اللهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (٢٠) أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (٢١) إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (٢٢) لا جَرَمَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ) (٢٣)
والاستفهام في قوله ـ سبحانه ـ : (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ ..) للإنكار والتوبيخ لأولئك المشركين الذين عبدوا غير الله ـ تعالى ـ أى : أفمن يخلق هذه الأشياء العجيبة ، والمخلوقات البديعة ، التي بينا لكم بعضها ، وهو الله ـ عزوجل ـ كمن لا يخلق شيئا على سبيل الإطلاق ، بل هو مخلوق ، كتلك الأصنام والأوثان وغيرها ، التي أشركتموها في العبادة مع الله ـ تعالى ـ؟
إن فعلكم هذا لدليل واضح على جهلكم ـ أيها المشركون ـ وعلى انطماس بصيرتكم ، وقبح تفكيركم.
قال صاحب الكشاف : فإن قلت من لا يخلق أريد به الأصنام ، فلما ذا جيء بمن الذي هو لأولى العلم؟.
قلت : فيه أوجه : أحدها أنهم سموها آلهة وعبدوها فأجروها مجرى أولى العلم.
الثاني : المشاكلة بينه وبين من يخلق.
الثالث : أن يكون المعنى : أن من يخلق ليس كمن لا يخلق من أولى العلم ، فكيف بما لا علم عنده. كقوله ـ تعالى ـ (أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها ..) يعنى أن الآلهة ـ التي عبدوها ـ حالهم منحطة عن حال من لهم أرجل وأيد وآذان وقلوب لأن هؤلاء أحياء وهم أموات ، فكيف تصح لهم العبادة ، لا أنها لو صحت لهم هذه الأعضاء لصح أن يعبدوا.
فإن قلت الآية إلزام للذين عبدوا الأوثان وسموها آلهة تشبيها بالله ـ تعالى ـ : فكان من حق الإلزام أن يقال : أفمن لا يخلق كمن يخلق؟