قلت حين جعلوا غير الله مثل الله في تسميته باسمه والعبادة له ، وسووا بينه ، فقد جعلوا الله من جنس المخلوقات وشبيها بها ، فأنكر عليهم ذلك بقوله : (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ ..) (١).
وقوله ـ سبحانه ـ : (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) زيادة في توبيخهم وفي التهكم بهم.
أى : أبلغ بكم السفه والجهل أنكم سويتم في العبادة بين من يخلق ومن لا يخلق ، والحال أن هذه التسوية لا يقول بها عاقل ، لأن من تفكر أدنى تفكر ، وتأمل أقل تأمل ، عرف وتيقن أنه لا يصح التسوية في العبادة بين الخالق والمخلوق ، فهلا فكرتم قليلا في أمركم ، لكي تفيئوا إلى رشدكم ، فتخلصوا العبادة لله الخلاق العليم.
ثم ذكرهم ـ سبحانه ـ بنعمه على سبيل الإجمال ، بعد أن فصل جانبا منها في الآيات السابقة فقال ـ تعالى ـ (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها).
والمراد بالنعمة هنا جنسها ، الذي يشمل كل نعمه ، لأن لفظ العدد والإحصاء قرينة على ذلك ، وعلماء البيان يعدون استعمال المفرد في معنى الجمع اعتمادا على القرينة ـ من أبلغ الأساليب الكلامية.
أى : وإن تعدوا نعمة الله ـ تعالى ـ التي أنعمها عليكم ، في أنفسكم ، وفيما سخره لكم لا تستطيعون حصر هذه النعم لكثرتها ولتنوعها.
وما دام الأمر كذلك فاشكروه عليها ما استطعتم ، وأخلصوا له العبادة والطاعة.
وقوله : (إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) استئناف قصد به فتح باب الأمل أمامهم لكي يتداركوا ما فرط منهم من جحود وتقصير في حقه ـ سبحانه ـ.
أى : إن الله ـ تعالى ـ لغفور لعباده على ما فرط منهم متى تابوا إليه توبة نصوحا ، رحيم بهم ، حيث لم يؤاخذهم بذنوبهم. بل منحهم نعمه مع تقصيرهم في شكره ـ تعالى.
قال ابن كثير ـ رحمهالله ـ قوله : (إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) أى يتجاوز عنكم ، ولو طالبكم بشكر جميع نعمه لعجزتم عن القيام بذلك ، ولو أمركم به لضعفتم وتركتم ، ولو عذبكم لعذبكم وهو غير ظالم لكم ، ولكنه غفور رحيم ، يغفر الكثير ، ويجازى على اليسير» (٢).
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٤٠٥ ـ بتصرف يسير.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٤ ص ٤٨٢.