وقوله ـ سبحانه ـ : (وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ) بيان لكمال علمه ـ تعالى ـ وتحذير من الوقوع فيما نهى عنه ، لأنه ـ تعالى ـ لا تخفى عليه خافية.
أى : والله ـ تعالى ـ وحده ، يعلم ما تسرونه من أقوال وأفعال ، وما تظهرونه منها ، وهو محص عليكم ذلك ، وسيجازى كل إنسان بما يستحقه من خير أو شر.
ثم وصف ـ سبحانه ـ الأوثان التي يعبدها المشركون من دونه ، بثلاثة أوصاف. تجعلها بمعزل عن النفع ، فضلا عن استحقاقها للعبادة ، فقال ـ تعالى ـ (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ. أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ ، وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ).
فوصفها ـ أولا ـ بالعجز التام ، فقال ـ تعالى ـ : (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً ..).
أى : وهذه الآلهة التي تعبدونها من دون الله ـ تعالى ـ لا تخلق شيئا من المخلوقات مهما صغرت ، بل هم يخلقون بأيديكم ، فأنتم الذين تنحتون الأصنام. كما قال ـ سبحانه ـ حكاية عن إبراهيم ـ عليهالسلام ـ الذي قال لقومه على سبيل التهكم بهم : (قالَ أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ. وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) (١).
وإذا كان الأمر كذلك فكيف تعبدون شيئا أنتم تصنعونه بأيديكم ، أو هو مفتقر إلى من يوجده؟!
وهذه الآية الكريمة أصرح في إثبات العجز للمعبودات الباطلة من سابقتها التي تقول : (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ ..) لأن الآية السابقة نفت عن المعبودات الباطلة أنها تخلق شيئا ، أما هذه الآية التي معنا فنفت عنهم ذلك ، وأثبتت أنهم مخلوقون لغيرهم وهو الله ـ عزوجل ـ ، أو أن الناس يصنعونهم عن طريق النحت والتصوير ، فهم أعجز من عبدتهم ، وعليه فلا تكرار بين الآيتين.
وأما الصفة الثانية لتلك الأصنام فهي قوله ـ تعالى ـ (أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ).
أى : هؤلاء المعبودون من دون الله ـ تعالى ـ ، هم أموات لا أثر للحياة فيهم ، فهم لا يسمعون ، ولا يبصرون ، ولا يغنون عن عابديهم شيئا ، فقد دلت هذه الصفة على فقدانهم للحياة فقدانا تاما.
وجملة «غير أحياء» جيء بها لتأكيد موتهم ، وللدلالة على عراقة وصفهم بالموت ، حيث
__________________
(١) سورة الصافات الآيتان ٩٥ ، ٩٦.