إنه لا توجد شائبة للحياة فيهم ، ولم يكونوا أحياء ـ كعابديهم ـ ثم ماتوا ، بل هم أموات أصلا. أو جيء بها على سبيل التأسيس ، لأن بعض مالا حياة فيه من المخلوقات ، قد تدركه الحياة فيما بعد ، كالنطفة التي يخلق الله ـ تعالى ـ منها حياة ، أما هذه الأصنام فلا يعقب موتها حياة ، وهذا أتم في نقصها ، وفي جهالة عابديها.
وأما الصفة الثالثة لتلك الأصنام فهي قوله ـ تعالى ـ : (وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ).
ولفظ «أيان» ظرف زمان متضمن معنى متى.
وهذه الصفة تدل على جهلهم المطبق ، وعدم إحساسهم بشيء.
أى : أن من صفات هذه المعبودات الباطلة ، أنها لا تدرى متى يبعثها الله ـ تعالى ـ لتكون وقودا للنار.
وبعضهم يجعل الضمير في «يشعرون» يعود على الأصنام ، وفي «يبعثون» يعود على العابدين لها ، فيكون المعنى : وما تدرى هذه الأصنام التي تعبد من دون الله ـ تعالى ـ متى تبعث عبدتها للحساب يوم القيامة.
قال صاحب فتح القدير ما ملخصه : قوله : «وما يشعرون أيان يبعثون» الضمير في «يشعرون» للآلهة وفي «يبعثون» للكفار الذين يعبدون الأصنام.
والمعنى : وما تشعر هذه الجمادات من الأصنام أيان يبعث عبدتهم من الكفار ، ويكون هذا على طريقة التهكم بهم ، لأن شعور الجماد مستحيل بما هو من الأمور الظاهرة. فضلا عن الأمور التي لا يعلمها إلا الله ـ سبحانه ـ.
ويجوز أن يكون الضمير في الفعلين للآلهة. أى : وما تشعر هذه الأصنام أيان تبعث. ويدل على ذلك قوله تعالى ـ : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ ..) (١).
وبعد أن أبطل ـ سبحانه ـ عبادة غيره بهذا الأسلوب المنطقي الحكيم ، صرح بأنه لا معبود بحق سواه ، فقال : (إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ).
أى إلهكم المستحق للعبادة والطاعة هو إله واحد لا شريك له ، لا في ذاته ولا في صفاته : فأخلصوا له العبادة ، ولا تجعلوا له شركاء.
__________________
(١) تفسير فتح القدير للشوكانى ج ٢ ص ١٥٦.