واقتداء أولئك بهم ، كما جاء في الحديث : «من دعا إلى هدى ، كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه ، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من اتبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا».
كما قال ـ تعالى ـ : (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ ، وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ) (١).
فهذه الآية وأمثالها ، لا تعارض بينها وبين قوله ـ تعالى ـ (وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها ، وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) (٢).
لأن هؤلاء المستكبرين لم يكتفوا بضلالهم في أنفسهم ، بل تسببوا في إضلال غيرهم ، فعوقبوا على هذا التسبب السيئ ، الذي هو فعل من أفعالهم القبيحة.
وقوله «بغير علم» في موضع الحال من الضمير المنصوب في قوله «يضلونهم».
أى : يضلون ناسا لا علم عندهم ، فهم كالأنعام بل هم أضل ، وفي ذلك ما فيه من مدح أهل العلم والتفكير ، لأن الآية الكريمة قد بينت أن أئمة الكفر ، يستطيعون إضلال من لا علم عنده ، أما أصحاب العقول السليمة فلن يستطيعوا إضلالهم.
قالوا : واستدل بالآية على أن المقلد يجب عليه أن يبحث ، وأن يميز بين الحق والباطل ، ولا يعذر بسبب جهله.
وقيل : إن قوله «بغير علم» في موضع الحال من الضمير المرفوع في قوله «يضلونهم».
أى : هم يضلون غيرهم حالة كونهم غير عالمين بما يترتب على ذلك من آثام وعقاب ، إذ لو علموا ذلك لما أقدموا على هذا الإضلال لغيرهم.
ثم ختم ـ سبحانه ـ الآية الكريمة بقوله : (أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ). قال الجمل : و «ساء» فعل ماض لإنشاء الذم بمعنى بئس ، و «ما» تمييز بمعنى شيئا ، أو فاعل بساء ، و «يزرون» صفة لما والعائد محذوف ، أو «ما» اسم موصول ، وقوله «يزرون» صلة الموصول ، والعائد محذوف أى : يزرونه ، والمخصوص بالذم محذوف» (٣).
والتقدير : بئس شيئا يزرونه ويحملونه نتيجة كفرهم وكذبهم وإضلالهم لغيرهم ؛ وافتتحت
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٤ ص ٤٨٤.
(٢) سورة الأنعام الآية ١٦٤.
(٣) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ٥٦٦.