رءوسهم ، أمام قوة الله ـ تعالى ـ التي لا ترد ، فإذا بالبناء الذي بنوه ليحتموا به ، قد صار مقبرة لهم.
وصدق الله إذ يقول : (وَمَكَرُوا مَكْراً ، وَمَكَرْنا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ. فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ. فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (١).
وقال ـ سبحانه ـ : (فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ) مع أن السقف لا يكون إلا من فوق ، لتأكيد الكلام وتقويته.
وقال القرطبي : قال ابن الأعرابى : وكد ليعلمك أنهم كانوا حالين تحته ، والعرب تقول : خر علينا سقف ، ووقع علينا حائط ، إذا كان يملكه وإن لم يكن وقع عليه. فجاء بقوله : «من فوقهم» ليخرج هذا الشك الذي في كلام العرب ، فقال : «من فوقهم» أى : عليهم وقع وكانوا تحته فهلكوا وما أفلتوا ..» (٢).
هذا ومن المفسرين الذين رجحوا أن الآية مسوقة على سبيل التمثيل ، الفخر الرازي. فقد قال : وفي قوله ـ سبحانه ـ (فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ) قولان :
الأول : أن هذا محض التمثيل.
والمعنى أنهم رتبوا حيلا ليمكروا بها على أنبياء الله ، فجعل الله ـ تعالى ـ حالهم في تلك الحيل ، مثل حال قوم بنوا بنيانا وعموده بالأساطين ، فانهدم ذلك البناء ، وضعفت تلك الأساطين ، فسقط السقف عليهم ، ونظيره قولهم : من حفر بئرا لأخيه أوقعه الله فيه.
ـ ووجه الشبه أن ما عدوه سبب بقائهم ، صار سبب استئصالهم وفنائهم.
الثاني : أن المراد منه ما دل عليه الظاهر ، وهو أن الله ـ تعالى ـ أسقط عليهم السقف وأماتهم تحته.
والأول أقرب إلى المعنى (٣).
ومن المفسرين الذين رجحوا أن الكلام على حقيقته ، الإمام ابن جرير فقد قال ـ بعد أن سرد بعض الأقوال ـ : وأولى الأقوال بتأويل الآية قول من قال : معنى ذلك ، تساقطت
__________________
(١) سورة النمل الآيات ٥٠ ، ٥١ ، ٥٢.
(٢) تفسير القرطبي ج ١٠ ص ٩٧.
(٣) تفسير الفخر الرازي ج ٢٠ ص ٢٠.