فقوله ـ سبحانه ـ : (وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً ..) بيان لما رد به المؤمنون الصادقون ، على من سألهم عما أنزله الله ـ تعالى ـ على نبيه محمد صلىاللهعليهوسلم وهو معطوف على ما قبله ، للمقابلة بين ما قاله المتقون ، وما قاله المستكبرون.
ووصفهم بالتقوى ، للاشعار بأن صيانتهم لأنفسهم عن ارتكاب ما نهى الله ـ تعالى ـ عنه ، وخوفهم منه ـ سبحانه ـ ومراقبتهم له ، كل ذلك حملهم على أن يقولوا هذا القول السديد. وكلمة «خيرا» مفعول لفعل محذوف أى : أنزل خيرا. أى : رحمة وبركة ونورا وهداية ، إذ لفظ «خيرا» من الألفاظ الجامعة لكل فضيلة.
قال صاحب الكشاف : فان قلت لم نصب هذا ورفع الأول؟.
قلت : فصلا بين جواب المقر وجواب الجاحد ، يعنى أن هؤلاء لما سئلوا لم يتلعثموا وأطبقوا الجواب على السؤال بينا مكشوفا مفعولا للإنزال ، فقالوا خيرا. أى أنزل خيرا. وأولئك عدلوا بالجواب عن السؤال فقالوا : هو أساطير الأولين وليس من الإنزال في شيء (١).
وقوله ـ سبحانه ـ : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ) جملة مستأنفة لبيان ما وعدهم به ـ تعالى ـ على أعمالهم الصالحة من أجر وثواب.
أى : هذه سنتنا في خلقنا أننا نجازي الذين يعملون الصالحات بالجزاء الحسن الكريم ، دون أن نضيع من أعمالهم شيئا.
وقوله «حسنة» صفة لموصوف محذوف أى : مجازاة حسنة بسبب أعمالهم الصالحة.
كما قال ـ تعالى ـ في آية اخرى : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً ، وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٢).
ثم بين ـ سبحانه ـ جزاءهم في الآخرة فقال : (وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ ، وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ). والمراد بدار الآخرة : الجنة ونعيمها.
و «خير» صيغة تفضيل ، حذفت همزتها لكثرة الاستعمال على سبيل التخفيف ، كما قال ابن مالك :
وغالبا أغناهم خير وشر |
|
عن قولهم أخير منه وأشر |
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٤٠٧.
(٢) سورة النحل الآية ٩٧.