ونعم : فعل ماض لإنشاء المدح ، وهو ضد بئس.
والمعنى : ولدار الآخرة وما فيها من عطاء غير مقطوع ، خير لهؤلاء المتقين مما أعطيناهم في الدنيا ، ولنعم دارهم هذه الدار. قال ـ تعالى ـ : (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا. وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى) (١).
ووصفها ـ سبحانه ـ بالآخرة ، لأنها آخر المنازل ، فلا انتقال عنها إلى دار أخرى ، كما قال ـ تعالى ـ : (خالِدِينَ فِيها لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً).
والمخصوص بالمدح محذوف لتقدم ما يدل عليه ، والتقدير : ولنعم دار المتقين ، دار الآخرة.
ثم وصف ـ سبحانه ـ ما أعده لهم من نعيم فقال : (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ).
والعدن : الإقامة الدائمة : يقال : عدن فلان ببلد كذا ، إذا توطن فيه وأقام دون أن يبرحه أى : لهؤلاء المتقين : جنات دائمة باقية ، يدخلونها بسرور وحبور ، تجرى من تحت بساتينها وأشجارها الأنهار.
«لهم فيها ما يشاءون» مما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين «كذلك يجزى الله المتقين» أى : مثل هذا الجزاء الحسن ، يجزى الله ـ تعالى ـ عباده المتقين ، الذين جنبوا أنفسهم مالا يرضيه.
ثم حكى ـ سبحانه ـ ما تحييهم به الملائكة فقال : (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ..).
أى : هذا الجزاء الحسن لهؤلاء المتقين ، الذين تتوفاهم الملائكة ، أى : تقبض أرواحهم ، حال كونهم «طيبين» أى : مطهرين من دنس الشرك والفسوق والعصيان.
«يقولون» أى الملائكة لهؤلاء المتقين عند قبض أرواحهم ، «سلام عليكم» أى : أمان عليكم من كل شر ومكروه.
«ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون» أى : بسبب ما قدمتموه من أعمال صالحة.
وشبيه بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ
__________________
(١) سورة الأعلى الآيتان ١٦ ، ١٧.