فَتُخْرِجُوهُ لَنا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ. قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ ، فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ ..) (١).
هذا ، وقد قلنا عند تفسيرنا لهذه الآيات ما ملخصه : ونريد أن نزيد هذه الشبهة القديمة الحديثة تمحيصا وكشفا ودفعا ، فنقول لأولئك الذين يبررون ارتكابهم للموبقات بأنها واقعة بمشيئة الله.
نقول لهم : نحن معكم في أنه لا يقع في ملكه ـ سبحانه ـ إلا ما يشاؤه. فالطائع تحت المشيئة ، والعاصي تحت المشيئة ، ولكن هذه المشيئة لم تجبر أحدا على طاعة أو معصية ، وقضاء الله هو علمه بكل ما هو كائن قبل أن يكون وليس العلم صفة تأثير وجبر.
ولقد شاء ـ سبحانه ـ أن يجعل في طبيعة البشر الاستعداد للخير والشر ، ووهبهم العقل ليهتدوا به ، وأرسل إليهم الرسل لينمو فيهم استعدادهم ، وسن لهم شريعة لتكون مقياسا ثابتا لما يأخذون وما يدعون ، كي لا يتركهم لعقولهم وحدها.
وإذا فمشيئة الله متحققة حسب سنته التي ارتضاها ، سواء اتخذ العبد طريقه إلى الهدى أم إلى الضلال ، وهو مؤاخذ إن ضل ، ومأجور إذا اهتدى ، غير أن سنة الله اقتضت أن من يفتح عينيه يبصر النور ، ومن يغمضهما لا يراه.
كذلك من يفتح قلبه لإدراك دلائل الإيمان يهتدى ، ومن يحجب قلبه عنها يضل. سنة الله ولن تجد لسنته تبديلا.
وإذا فزعم الزاعمين بأن الله شاء هذا ، على معنى أنه أجبرهم عليه ، فهم لا يستطيعون عنه فكاكا ، إنما هو زعم باطل لا سند له من العلم والتفكير الصحيح ..» (٢).
وقوله ـ سبحانه ـ : (كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) تسلية لرسول الله صلىاللهعليهوسلم عما قاله هؤلاء المشركون من كذب ، وما نطقوا به من باطل.
واسم الإشارة «كذلك» يعود إلى إشراكهم وتحريمهم لما أحله الله ـ تعالى ـ أى : مثل ذلك الفعل الشنيع الذي فعله قومك معك يا محمد ، فعل أشباههم السابقون مع أنبيائهم الذين أرسلهم الله ـ تعالى ـ لهدايتهم ، فلا تبتئس ـ أيها الرسول الكريم ـ مما فعله معك مشركو قومك. فإننا لولا وجودك فيهم ، لأنزلنا بهم ما أنزلنا على سابقيهم من عذاب.
__________________
(١) سورة الأنعام الآية ١٤٨ ، ١٤٩.
(٢) راجع تفسيرنا لسورة الأنعام من ص ٢٠٥ إلى ص ٢١١.