والاستفهام في قوله ـ تعالى ـ : (فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ). إنكارى في معنى النفي. والبلاغ : اسم مصدر بمعنى الإبلاغ. والمبين : الواضح الصريح.
أى : ما على الرسل الكرام الذين أرسلهم الله ـ تعالى ـ لإرشاد أقوامهم إلى الصراط المستقيم إلا الإبلاغ الواضح ، المظهر لأحكام الله ، المميز بين الحق والباطل ، أما إجبار الناس على الدخول في الحق فليس من وظيفتهم.
قال ـ تعالى ـ : (وَإِنْ ما نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ ، فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ) (١).
وقال ـ تعالى ـ : (لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ ..) (٢).
ثم بين ـ سبحانه ـ أن من رحمته بعباده ، أن أرسل إليهم الرسل مبشرين ومنذرين ؛ لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ، فقال ـ تعالى ـ : (وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً ، أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ..).
والطاغوت : اسم لكل معبود من دون الله ـ تعالى ـ ، كالأصنام والأوثان وغير ذلك من المعبودات الباطلة ، مأخوذ من طغا يطغى طغوا .. إذا جاوز الحد في الضلال.
أى : ولقد اقتضت حكمتنا ورحمتنا أن نبعث في كل أمة ، من الأمم السالفة «رسولا» من رسلنا الكرام ، ليرشدوا الناس إلى الحق والخير ، وليقولوا «أن اعبدوا الله» ـ تعالى ـ وحده ، «واجتنبوا» عبادة «الطاغوت» الذي يضل ولا يهدى.
وأكد ـ سبحانه ـ الجملة باللام وقد ، للرد على ما زعمه المشركون من أن الله ـ تعالى ـ لم ينكر عليهم عبادتهم لغيره ، وأنه ـ سبحانه ـ راض لتحريمهم لما أحله. حيث بين لهم ـ عزوجل ـ أنه قد أرسل الرسل للدعوة إلى عبادته وحده ، ولتجنب عبادة أحد سواه. و «أن» في قوله «أن اعبدوا ..» تفسيرية ، لأن البعث يتضمن معنى القول ، إذ هو بعث للتبليغ.
ثم بين ـ سبحانه ـ موقف هؤلاء الأقوام من رسلهم فقال ـ تعالى ـ : (فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ ..).
__________________
(١) سورة الرعد الآية ٤٠.
(٢) سورة البقرة : الآية ٢٧٢.