أى : بعثنا في كل أمة من الأمم السابقة رسولا لهداية أبنائها فمن هؤلاء الأبناء من هداهم الله ـ تعالى ـ إلى الحق وإلى الصراط المستقيم. بأن وفقهم إليه ، لانشراح صدورهم له ، ومنهم من ثبتت وحقت عليه الضلالة ، لاستحبابه العمى على الهدى.
وأسند ـ سبحانه ـ هداية بعض أفراد هذه الأمم إليه ، مع أنه أمر جميعهم ـ على ألسنة رسله ـ بالدخول في طريق الهدى ، للرد على المشركين الذين أحالوا شركهم وفسوقهم على مشيئة الله ، إذ أن الله ـ تعالى ـ قد بين للناس جميعا طرق الخير وطرق الشر ، فمنهم من استجاب للأولى ، ومنهم من انحدر إلى الثانية ، وكلاهما لم يقسره الله ـ تعالى ـ قسرا على الهدى أو الضلال.
فاهتداء المهتدين إنما هو بسبب اختيارهم لذلك ، واتباعهم الرسل ، وضلال الضالين إنما هو بسبب استحواذ الشيطان عليهم.
وعبر ـ سبحانه ـ في جانب الضالين بقوله : (وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ) للإشارة إلى أنهم لم يستجيبوا لما أرشدهم ـ سبحانه ـ إليه ، بل ظلوا ثابتين مصممين على البقاء في طريق الضلالة ، (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ ، وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) (١).
وقوله ـ سبحانه ـ : (فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ). تحريض لهم على التأمل في آثار المكذبين ، لعلهم عن طريق هذا التأمل والتدبر يثوبون إلى رشدهم ، ويعودون إلى صوابهم ، ويدركون سنة من سنن الله في خلقه ، وهي أن العاقبة الطيبة للمتقين ، والعاقبة السيئة للكافرين.
والفاء في قوله «فسيروا ...» للتفريع ، وقد جيء بها للإشعار بوجوب المبادرة إلى التأمل والاعتبار.
أى : إن كنتم في شك مما أخبرناكم به ، فسارعوا إلى السير في الأرض ، لتروا بأعينكم آثار المجرمين ، الذين كذبوا الرسل وأسندوا شركهم إلى مشيئة الله. لقد نزل بهؤلاء المكذبين عذاب الله ، فدمرهم تدميرا (وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ. وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ) (٢).
ثم أخبر الله ـ تعالى ـ رسوله صلىاللهعليهوسلم بأن حرصه على هداية المصرين على ضلالهم ، لن يغير من واقع أمرهم شيئا ، فقال ـ تعالى ـ (إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ فَإِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ ..).
__________________
(١) سورة الصف الآية ٥.
(٢) سورة الصافات الآيتان ١٣٧ ، ١٣٨.