على أنه لا بعث ولا حساب بعد الموت ، لأنهم يزعمون أن إعادة الميت إلى الحياة بعد أن صار ترابا وعظاما نخرة ، أمر مستحيل.
وقد أكدوا زعمهم هذا بالقسم ، للتدليل على أنهم متثبتون مما يقولونه. ومتيقنون من صحة ما يدعونه ، من أنه لا يبعث الله من يموت.
قال القرطبي. قوله ـ تعالى ـ (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ ..) هذا تعجيب من صنعهم ، إذ أقسموا بالله وبالغوا في تغليظ اليمين بأن الله لا يبعث من يموت.
ووجه العجب أنهم يظهرون تعظيم الله فيقسمون به ثم يعجزونه عن بعث الأموات.
وقال أبو العالية : كان لرجل من المسلمين على مشرك دين فتقاضاه ، وكان في بعض كلامه : والذي أرجوه بعد الموت إنه لكذا ، فأقسم المشرك بالله : لا يبعث الله من يموت ، فنزلت الآية.
وفي البخاري عن أبى هريرة عن النبي صلىاللهعليهوسلم «قال الله ـ تعالى ـ كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك ، وشتمني ولم يكن له ذلك ، فأما تكذيبه إياى فقوله : لن يعيدني كما بدأنى ، وأما شتمه إياى فقوله : اتخذ الله ولدا ، وأنا الأحد الصمد ، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد» (١).
وقوله ـ سبحانه ـ : (بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) تكذيب لهم فيما زعموه من أن الله ـ تعالى ـ لا يبعث من يموت ، ورد عليهم فيما قالوه بغير علم. و «بلى» حرف يؤتى به لإبطال النفي في الخبر والاستفهام.
أى : بلى سيبعث الله ـ تعالى ـ الأموات يوم القيامة ، وقد وعد بذلك وعدا صدقا لا خلف فيه ولا تبديل ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون هذه الحقيقة لجهلهم بكمال قدرة الله ـ تعالى ـ وعموم علمه ، ونفاذ إرادته ، وسمو حكمته.
قال الجمل : وقوله : (وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا) هذان المصدران منصوبان على المصدر المؤكد ، أى : وعد ذلك وعدا ، وحق حقا. وقيل : حقا نعتا لوعدا ، والتقدير ، بلى يبعثهم وعد بذلك وعدا حقا» (٢).
وجيء بقوله «عليه» لتأكيد هذا الوعد ، تفضلا منه ـ سبحانه ـ وكرما.
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١٠ ص ١٠٥.
(٢) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ٥٧١.