إن جهلهم هذا لدليل على انطماس بصيرتهم ، واستحواذ الشيطان عليهم.
وقوله «أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون» بيان للون آخر من ألوان تهديدهم.
أى : في قدرتنا أن نخسف بهم الأرض ، وفي قدرتنا أيضا أن نرسل عليهم العذاب فجأة فيأتيهم من جهة لا يتوقعون مجيئه منها ، ولا يترقبون الشر من ناحيتها.
وفي الجملة الكريمة إشارة إلى أن هذا العذاب الذي يأتيهم من حيث لا يشعرون. عذاب لا يمكن دفعه أو الهروب منه ، لأنه أتاهم بغتة ، ومن جهة لا يترقبون الشر منها.
وشبيه بهذا قوله ـ سبحانه ـ (فَأَتاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا ...) (١).
وقوله ـ سبحانه ـ ؛ (أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ) بيان لنوع ثالث من أنواع التهديدات التي هددهم الله ـ تعالى ـ بها.
والأخذ في الأصل : حوز الشيء وتحصيله ، والمراد به هنا : القهر والإهلاك والتدمير ومنه قوله ـ تعالى ـ (فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً) وقوله ـ تعالى ـ : (كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ).
والتقلب : الحركة السريعة إقبالا وإدبارا ، من أجل السعى في شئون الحياة من متاجرة ومعاملة وسفر وغير ذلك.
ومنه قوله ـ تعالى ـ : (لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ).
أى : في قدرتنا أن نخسف بهم الأرض ، وأن نرسل عليهم العذاب من حيث لا يشعرون ، وفي قدرتنا كذلك أن نهلكهم وهم يتحركون في مناكب الأرض خلال سفرهم أو إقامتهم ، فإنهم في جميع الأحوال لا يعجزنا أخذهم ، ولا مهرب لهم مما نريده بهم.
وشبيه بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ : (أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ. أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ. أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ ، فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ) (٢).
وقوله ـ سبحانه ـ : (أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ).
قال بعض العلماء : والتخوف في اللغة يأتى مصدر تخوف القاصر ، بمعنى خاف ، ويأتى مصدر
__________________
(١) سورة الحشر آية ٢.
(٢) سورة الأعراف الآيات ٩٧ ـ ٩٩.