قال الإمام ابن كثير : يذكر ـ تعالى ـ نعمه على عبيده ، بأن جعل لهم من أنفسهم أزواجا ، أى : من جنسهم وشكلهم ، ولو جعل الأزواج من نوع آخر ما حصل الائتلاف والمودة والرحمة ، ولكن من رحمته أنه خلق من بنى آدم ذكورا وإناثا ، وجعل الإناث أزواجا للذكور ..» (١).
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً) بيان لنعمة أخرى من نعمه ـ تعالى ـ والحفدة ، جمع حافد يقال ، حفد فلان يحفد حفدا من باب ضرب إذا أسرع في خدمة غيره وطاعته. ومن دعاء القنوت : «وإليك نسعى ونحفد» أى : نسرع في طاعتك يا ربنا. والمراد بالحفدة : أبناء الأبناء. روى عن ابن عباس إنه قال : الحفيد ولد الابن والبنت ، ذكرا كان أو أنثى. وقيل المراد بهم : الخدم والأعوان ، وقيل المراد بهم : الأختان والأصهار أى : أزواج البنات وأقارب الزوجة ..
قال الجمل بعد أن نقل جملة من أقوال المفسرين في ذلك : وكل هذه الأقوال متقاربة ، لأن اللفظ يحتمل الكل بحسب المعنى المشترك. وبالجملة فالحفدة غير البنين ، لأن الأصل في العطف المغايرة (٢).
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) بيان لنعمة ثالثة من النعم المذكورة في هذه الآية. أى : ورزقكم ـ سبحانه ـ من الطيبات التي تستلذونها وتشتهونها ، وقد أحل لكم التمتع بها فضلا منه وكرما.
ثم ختم ـ تعالى ـ الآية الكريمة بتأنيب الذين يؤثرون الغي على الرشد فقال ـ تعالى ـ : (أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللهِ هُمْ يَكْفُرُونَ).
والباطل يشمل كل اعتقاد أو قول أو فعل يخالف الحق والرشاد والاستفهام للتوبيخ والتقريع ، والفاء معطوفة على مقدر. والمعنى : أيجحدون نعم الله ـ تعالى ـ فيؤمنون بالباطل ، ويكفرون بكل ما سواه من الحق والهدى والرشاد.
وفي تقديم الباطل على الفعل «يؤمنون» إشارة إلى أنهم قد اختلط الباطل بدمائهم فأصبحوا لا يؤمنون إلا به ، ولا ينقادون إلا له.
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٥٧٧.
(٢) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ٥٨٦.