وفي قوله ـ تعالى ـ «مسخرات» إشارة إلى أن طيرانها في الجو ليس بمقتضى طبعها ، وإنما هو بتسخير الله تعالى لها وبسبب ما أوجد لها من حواس ساعدتها على ذلك ، كالأجنحة وغيرها. وأضاف ـ سبحانه ـ الجو إلى السماء لارتفاعه عن الأرض ، ولإظهار كمال قدرته ـ سبحانه ـ.
ثم ختم ـ سبحانه ـ الآية الكريمة بقوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ).
أى : إن في ذلك التسخير والتذليل للطير على هذه الصفة «لآيات» بينات على قدرة الله ـ تعالى ـ ووحدانيته ، «لقوم يؤمنون» بالحق ، ويفتحون قلوبهم له ويسمون بأنفسهم عن التقليد الباطل.
ثم ساقت السورة الكريمة ألوانا من النعم ، منها ما يتعلق بنعمة المسكن فقال ـ تعالى ـ : (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً ...).
قال القرطبي : قوله ـ تعالى ـ : (جَعَلَ لَكُمْ) معناه صير ، وكل ما علاك فأظلك فهو سقف وسماء ، وكل ما أقلك فهو أرض ، وكل ما سترك من جهاتك الأربع فهو جدار ، فإذا انتظمت واتصلت فهو بيت ، وهذه الآية فيها تعديد نعم الله تعالى على الناس في البيوت وقوله : «سكنا» أى : تسكنون فيها وتهدأ جوارحكم من الحركة ... (١).
والحق أن نعمة السكن في البيوت والاستقرار فيها ، والشعور بداخلها بالأمان والاطمئنان ، هذه النعمة لا يقدرها حق قدرها ، إلا أولئك الذين فقدوها ، وصاروا يعيشون بلا مأوى يأويهم ، أو منزل يجمع شتاتهم.
والتعبير بقوله عزوجل (سَكَناً) فيه ما فيه من السمو بمكانة البيوت التي يسكنها الناس. فالبيت مكان السكينة النفسية ، والراحة الجسدية ، هكذا يريده الإسلام ، ولا يريده مكانا للشقاق والخصام ، لأن الشقاق والخصام ينافي كونه «سكنا».
والبيت له حرمته التي جعل الإسلام من مظاهرها ، عدم اقتحامه بدون استئذان ، وعدم التطلع إلى ما بداخله ، وعدم التجسس على من بداخله.
وصيانة حرمة البيت ـ كما أمر الإسلام ـ تجعله «سكنا» آمنا ، يجد فيه أصحابه كل ما يريدون من الراحة النفسية والشعورية.
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١٠ ص ١٥٢.