وقوله ـ تعالى ـ : (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ) بيان لنعمة أخرى تتمثل في البيوت الخفيفة المتنقلة ، بعد الحديث عن البيوت الثابتة المستقرة.
والأنعام : جمع نعم. وتشمل الإبل والبقر والغنم ، ويدخل في الغنم المعز.
والظعن بسكون العين وفتحها : التحول والانتقال والرحيل من مكان إلى آخر طلبا للكلأ ، أو لمساقط الغيث ، أو لغير ذلك من الأغراض.
أى : ومن نعمه أيضا أنه أوجد لكم من جلود الأنعام بيوتا «تستخفونها» أى : تجدونها خفيفة «يوم ظعنكم» أى : يوم سفركم ورحيلكم من موضع إلى آخر «ويوم إقامتكم» في مكان معين بحيث يمكنكم أن تنصبوها لترتاحوا بداخلها ، بأيسر السبل ، وذلك كالقباب والخيام والأخبية ، وغير ذلك من البيوت التي يخف حملها.
ثم ختم ـ سبحانه ـ الآية بإبراز نعمة ثالثة ، تتمثل فيما يأخذونه من الأنعام فقال ـ تعالى ـ : (وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها ، وَأَشْعارِها ، أَثاثاً وَمَتاعاً إِلى حِينٍ).
والأثاث : متاع البيت الكثير ، وأصله من أث الشيء ـ بفتح الهمزة وتشديد الثاء مع الفتح ـ إذا كثر وتكاتف ، ومنه قول الشاعر.
وفرع يزين المتن أسود فاحم |
|
أثيت كقنو النخلة المتعثكل (١) |
ويشمل جميع أصناف المال كالفرش وغيرها.
والمتاع : ما يتمتع به من حوائج البيت الخاصة كأدوات الطعام والشراب ، فيكون عطف المتاع على الأثاث من عطف الخاص على العام.
وقيل : هما بمعنى واحد. والعطف لتنزيل تغاير اللفظ بمنزله تغاير المعنى.
أى : ومن أصواف الغنم ، وأوبار الإبل ، وأشعار المعز ، تتخذون لأنفسكم «أثاثا» كثيرا تستعملونه في مصالحكم المتنوعة ، كما تتخذون من ذلك ما تتمتعون به في بيوتكم وفي معاشكم «إلى حين» أى : إلى وقت معين قدره الله ـ تعالى ـ لكم في تمتعكم بهذه الأصواف والأوبار والأشعار.
وبعد الحديث عن نعمة البيوت والأنعام جاء الحديث عن نعمة الظلال والجبال واللباس ،
__________________
(١) الفرع : الشعر التام : والمتن : ما عن يمين الرأس وشماله ، والفاحم : الشديد السواد. والأثيت : الكثير المتكاثف. والمتعثكل : الذي دخل بعضه في بعض لكثرته (راجع تفسير القرطبي ج ١٠ ص ١٥٤).