أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ) (٨٩)
قال الإمام الرازي : اعلم أنه ـ تعالى ـ لما بين حال القوم ، أنهم عرفوا نعمة الله ثم أنكروها ، وذكر أيضا من حالهم أن أكثرهم الكافرون أتبعه بالوعيد ، فذكر حال يوم القيامة فقال :. (وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ...) وذلك يدل على أن أولئك الشهداء يشهدون عليهم بذلك الإنكار ، وبذلك الكفر ، والمراد بهؤلاء الشهداء : الأنبياء ، كما قال ـ تعالى ـ : (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً) (١).
والمعنى : واذكر ـ أيها العاقل لتعتبر وتتعظ ـ (يَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ) أى : جماعة من الناس ، «شهيدا» يشهد للمؤمن بالإيمان ويشهد على الكافر بالكفر.
قال ابن عباس : شهيد كل أمة نبيها يشهد لهم بالإيمان والتصديق ، وعليهم بالكفر والتكذيب.
وقوله : (ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) بيان للمصير السيئ الذي ينتظر هؤلاء الكافرين يوم القيامة.
أى : ثم لا يؤذن للذين كفروا يوم القيامة في الاعتذار ، عما كانوا عليه في الدنيا من عقائد زائفة ، وأقوال باطلة ، وأفعال قبيحة ، كما قال ـ تعالى ـ في سورة أخرى : (هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ. وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ) (٢).
أو المعنى : ثم لا يؤذن لهم في الرجوع إلى الدنيا ليتداركوا ما فاتهم من عقائد سليمة وأعمال صالحة ، لأنهم قد تركوها ولا عودة لهم إليها. أى : ثم لا يؤذن لهم في الكلام ، بعد أن ثبت بطلانه ، وقامت عليهم الحجة والتعبير بثم للاشعار بأن مصيبتهم بسبب عدم قبول أعذارهم ، أشد من مصيبتهم بسبب شهادة الأنبياء عليهم.
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ج ٥ ص ٣٤٢.
(٢) سورة المرسلات الآيتان ٣٦ ، ٣٧.