قال صاحب الكشاف : فإن قلت ما معنى «ثم» هذه؟.
قلت : معناها أنهم يبتلون بعد شهادة الأنبياء بما هو أطم منها ، وهو أنهم يمنعون الكلام ، فلا يؤذن لهم في إلقاء معذرة ولا إدلاء بحجة (١).
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) تيئيس آخر لهم في الحصول على شيء من رحمة الله ـ تعالى ـ. أى : لا يؤذن لهم في الاعتذار ، ولا يقبل منهم أن يزيلوا عتب ربهم ، أى : غضبه وسخطه عليهم ، لأن العتاب إنما يطلب لأجل معاودة الرضا من العاتب ، وهؤلاء قد انسد عليهم هذا الطريق ، لأن الله ـ تعالى ـ قد سخط عليهم سخطا لا مجال لإزالته ، بعد أن أصروا على كفرهم في الدنيا وماتوا على ذلك.
قال القرطبي : قوله (وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) أى لا يكلفون أن يرضوا ربهم لأن الآخرة ليست بدار تكليف ، ولا يتركون إلى رجوع الدنيا فيتوبون.
وأصل الكلمة من العتب ـ بفتح العين وسكون التاء ـ وهي الموجدة. يقال : عتب عليه يعتب ، إذا وجد عليه ، فإذا فاوضه فيما عتب عليه فيه ، قيل : عاتبه ، فإذا رجع الى مسرتك فقد أعتب ، والاسم العتبى ، وهو رجوع المعتوب عليه إلى ما يرضى العاتب.
قال النابغة :
فإن كنت مظلوما فعبدا ظلمته |
|
وإن كنت ذا عتبى فمثلك يعتب (٢) |
وبذلك ترى الآية الكريمة قد نفت عن الذين كفروا قبول أعذارهم ، وقبول محاولتهم إرضاء ربهم عما كانوا عليه من كفر وزيغ في الدنيا.
ثم نفى ـ سبحانه ـ عنهم ـ أيضا ـ تخفيف العذاب أو تأخيره فقال : (وَإِذا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذابَ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ).
أى : وإذا أبصر الذين ظلموا العذاب الذي أعد لهم في الآخرة بسبب ظلمهم وكفرهم في الدنيا ، فزعوا وخافوا ، ولكن خوفهم وفزعهم لن يغير من الأمر شيئا ، إذ لا يخفف عنهم العذاب بسبب خوفهم أو فزعهم : ولا هم يمهلون أو يؤخرون عنه.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٦٢٦.
(٢) تفسير القرطبي ج ١٠ ص ١٦٢.