وعلق ـ سبحانه ـ الرؤية بالعذاب ، للإشعار بأن فجيعتهم الكبرى كانت عند إبصاره ومشاهدته.
ثم حكى سبحانه بعض ما يدور بينهم وبين معبوداتهم الباطلة يوم القيامة ، فقال ـ تعالى ـ : (وَإِذا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكاءَهُمْ ، قالُوا رَبَّنا هؤُلاءِ شُرَكاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ ..).
قال القرطبي : قوله ـ تعالى ـ : (وَإِذا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكاءَهُمْ) أى : أصنامهم وأوثانهم التي عبدوها ، وذلك أن الله يبعث معبوديهم فيتبعونهم حتى يوردوهم النار. وفي صحيح مسلم : «من كان يعبد شيئا فليتبعه» فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس ، ويتبع من كان يعبد القمر القمر ، ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت ...» (١).
وقال الآلوسى : والمراد بشركائهم : كل من اتخذوه شريكا له ـ عزوجل ـ من صنم ، ووثن ، وشيطان ، وآدمي ، وملك .. وإضافتهم إلى ضمير المشركين لهذا الاتخاذ ـ أى لاتخاذهم إياهم شركاء لله في العبادة ـ أو لأنهم جعلوا لهم نصيبا من أموالهم وأنعامهم» (٢).
أى : وإذا أبصر المشركون يوم القيامة شركاءهم الذين أشركوهم مع الله ـ تعالى ـ في العبادة ، «قالوا» أى المشركون على سبيل التحسر والتفجع يا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا في الدنيا نعبدهم من دونك ، ونتقرب بهم إليك ، فلا تجعل يا ربنا العذاب علينا وحدنا بل خففه أو ارفعه عنا فهؤلاء الشركاء هم الذين أضلونا.
قال أبو مسلم : ومقصود المشركين بهذا القول إحالة الذنب على تلك الأصنام تعللا بذلك واسترواحا ، مع كونهم يعلمون أن العذاب واقع بهم لا محالة ، ولكن الغريق يتعلق بكل ما تقع يده عليه (٣).
وقوله ـ تعالى ـ : (فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ) حكاية لما رد به الشركاء على المشركين. أى : فرد أولئك الشركاء من الأصنام وغيرها على المشركين بقولهم : إنكم لكاذبون ـ أيها المشركون ـ في إحالتكم الذنب علينا ، فإننا ما دعوناكم لعبادتنا ، ولا أجبرناكم على الإشراك بالله ـ تعالى ـ ، ولكنكم أنتم الذين اخترتم هذا الطريق المعوج ،
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١٠ ص ١٦٣.
(٢) تفسير الآلوسى ج ١٤ ص ٢٠٨ ـ بتصرف وتلخيص ـ.
(٣) تفسير فتح البيان ج ٥ ص ٢٨٤ للشيخ صديق حسن خان.