تقليدا لآبائكم واستجابة لأهوائكم وشهواتكم ، وإيثارا للباطل على الحق وما رد به الشركاء على المشركين هنا ، قد جاء ما يشبهه في آيات كثيرة ، منها قوله ـ تعالى ـ : (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا. كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا) (١).
وقوله ـ تعالى ـ : (وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ، وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ..) (٢).
قال القرطبي : وقوله ـ تعالى ـ : (فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ ...) أى : ألقت إليهم الآلهة القول ، أى : نطقت بتكذيب من عبدها. بأنها لم تكن آلهة ، ولا أمرتهم بعبادتها ، فينطق الله الأصنام حتى تظهر عند ذلك فضيحة الكفار (٣).
وقال الجمل : فإن قلت : كيف أثبت للأصنام نطقا هنا ، ونفاه عنها في قوله ـ تعالى ـ في سورة الكهف : (وَيَوْمَ يَقُولُ نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ ..).
فالجواب : أن المثبت لهم هنا النطق بتكذيب المشركين في دعوى عبادتهم لها ، والمنفي عنهم في الكهف النطق بالإجابة إلى الشفاعة لهم ودفع العذاب عنهم فلا تنافى (٤).
والتعبير بقوله ـ تعالى ـ : (فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ ...) يشعر بأن الشركاء قد ردوا على المشركين قولهم بسرعة وبدون إبطاء حيث أتى ـ سبحانه ـ بالفاء في قوله (فَأَلْقَوْا) واشتملت جملة «إنكم لكاذبون» على جملة من المؤكدات ، لإفحام المشركين ، وتكذيبهم في قولهم تكذيبا قاطعا لا يحتمل التأويل.
ولذا وجدنا المشركين يعجزون عن الرد على شركائهم ، بدليل قوله ـ تعالى ـ بعد ذلك : (وَأَلْقَوْا إِلَى اللهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ ، وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ).
أى : وألقى المشركون يوم القيامة «السلم» أى : الاستسلام والخضوع والانقياد ، لقضاء الله ـ تعالى ـ العادل فيهم ، وغاب وذهب عنهم ما كانوا يفترونه ويزعمونه في الدنيا من أن آلهتهم ستشفع لهم ، أو ستنفعهم يوم القيامة.
__________________
(١) سورة مريم الآيتان ٨١ ، ٨٢.
(٢) سورة إبراهيم الآيات ٢٢.
(٣) تفسير القرطبي ج ١٠ ص ١٦٣.
(٤) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ٥٩٢.