ما فيه هلاكها .. وأما العدل بينه وبين غيره فبذل النصيحة ، وترك الخيانة فيما قل أو كثر ، والإنصاف من نفسك لهم بكل وجه.
وأما الإحسان فهو مصدر أحسن يحسن إحسانا. ويقال على معنيين : أحدهما : متعد بنفسه ، كقولك : أحسنت كذا ، أى : حسنته وأتقنته وكملته ، وهو منقول بالهمزة من حسن الشيء. وثانيهما : متعد بحرف جر ، كقولك : أحسنت إلى فلان ، أى : أوصلت إليه ما ينتفع به. وهو في هذه الآية مراد بالمعنيين معا .. (١).
ومن هذا الكلام الذي نقلناه بشيء من التلخيص عن الإمام القرطبي ، يتبين لنا أن العدل هو أن يلتزم الإنسان جانب الحق والقسط في كل أقواله وأعماله ، وأن الإحسان يشمل إحسان الشيء في ذاته سواء أكان هذا الشيء يتعلق بالعقائد أم بالعبادات أم بغيرهما ، كما يشمل إحسان المسلم إلى غيره.
فالإحسان أوسع مدلولا من العدل : لأنه إذا كان العدل معناه : أن تعطى كل ذي حق حقه ، بدون إفراط أو تفريط ، فإن الإحسان يندرج تحته أن تضيف إلى ذلك : العفو عمن أساء إليك ، والصلة لمن قطعك ، والعطاء لمن حرمك.
وإيثار صيغة المضارع في قوله : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ ...) لإفادة التجدد والاستمرار. ولم يذكر ـ سبحانه ـ متعلقات العدل والإحسان ليعم الأمر جميع ما يعدل فيه ، وجميع ما يجب إحسانه وإتقانه من أقوال وأعمال ، وجميع ما ينبغي أن تحسن إليه من إنسان أو حيوان أو غيرهما.
وقوله ـ تعالى ـ : (وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى) فضيلة ثالثة معطوفة على ما قبلها من عطف الخاص على العام ، إذ هي مندرجة في العدل والإحسان.
وخصها ـ سبحانه ـ بالذكر اهتماما بأمرها ، وتنويها بشأنها ، وتعظيما لقدرها.
والإيتاء : مصدر بمعنى الإعطاء ، وهو هنا مصدر مضاف لمفعوله.
والمعنى : إن الله ـ تعالى ـ يأمركم ـ أيها المسلمون ـ أمرا دائما وواجبا ، أن تلتزموا الحق والإنصاف في كل أقوالكم وأفعالكم وأحكامكم ، وأن تلتزموا التسامح والعفو والمراقبة لله ـ تعالى ـ في كل أحوالكم.
كما يأمركم أن تقدموا لأقاربكم على سبيل المعاونة والمساعدة ، ما تستطيعون تقديمه لهم من خير وبر ..
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١٠ ص ١٦٦.