لأن هذه الفضائل متى سرت بينكم ، نلتم السعادة في دينكم ودنياكم ، إذ بالعدل ينال كل صاحب حق حقه ، وبالإحسان يكون التحاب والتواد والتراحم ، وبصلة الأقارب يكون التكافل والتعاون ...
وبعد أن أمر ـ سبحانه ـ بأمهات الفضائل ، نهى عن رءوس الرذائل فقال ـ تعالى ـ : (وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ ..).
والفحشاء : كل ما اشتد قبحه من قول أو فعل. وخصها بعضهم بالزنا.
والمنكر : كل ما أنكره الشرع بالنهى عنه ، فيعم جميع المعاصي والرذائل والدناءات على اختلاف أنواعها.
والبغي : هو تجاوز الحد في كل شيء يقال : بغى فلان على غيره ، إذا ظلمه وتطاول عليه.
وأصله من بغى الجرح إذا ترامى إليه الفساد ...
أى : كما أمركم ـ سبحانه ـ بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى ، فإنه ـ تعالى ـ ينهاكم عن كل قبيح وعن كل منكر ، وعن كل تجاوز لما شرعه الله ـ عزوجل ـ.
وذلك لأن هذه الرذائل ما شاعت في أمة إلا وكانت عاقبتها خسرا ، وأمرها فرطا ، والفطرة البشرية النقية تأبى الوقوع أو الاقتراب من هذه الرذائل ، لأنها تتنافى مع العقول السليمة ، ومع الطباع القويمة.
ومهما روج الذين لم ينبتوا نباتا حسنا لتلك الرذائل ، فإن النفوس الطاهرة ، تلفظها بعيدا عنها ، كما يلفظ الجسم الأشياء الغريبة التي تصل إليه.
ثم ختم ـ سبحانه ـ الآية الكريمة بقوله : (يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) أى : ينبهكم ـ سبحانه ـ أكمل تنبيه وأحكمه إلى ما يصلحكم عن طريق اتباع ما أمركم به وما نهاكم عنه ، لعلكم بذلك تحسنون التذكر لما ينفعكم ، وتعملون بمقتضى ما علمكم ـ سبحانه.
هذا ، وقد ذكر المفسرون في فضل هذه الآية كثيرا من الآثار والأقوال ، ومن ذلك ما أخرجه الحافظ أبو يعلى في كتاب معرفة الصحابة .. قال : بلغ أكثم بن صيفي مخرج النبي صلىاللهعليهوسلم فأراد أن يأتيه ، فأبى قومه أن يدعوه وقالوا له : أنت كبيرنا لم تكن لتخف إليه. قال : فليأته من يبلغه عنى ويبلغني عنه. فانتدب رجلان فأتيا النبي صلىاللهعليهوسلم فقالا له : نحن رسل أكثم بن صيفي وهو يسألك من أنت وما أنت؟ فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «أما أنا فمحمد ابن عبد الله ، وأما ما أنا ، فأنا عبد الله ورسوله».