ثم تلا عليهم هذه الآية : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ ..) الآية.
فقالوا : ردد علينا هذا القول ، فردده عليهم حتى حفظوه ، فأتيا أكثم فقالا له : أبى أن يرفع نسبه فسألنا عن نسبه فوجدناه زاكي النسب .. وقد رمى إلينا بكلمات قد سمعناها فلما سمعهن أكثم قال : إنى أراه يأمر بمكارم الأخلاق وينهى عن ملائمها ، فكونوا في هذا الأمر رءوسا ، ولا تكونوا فيه أذنابا (١).
وعن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ قال : أعظم آية في كتاب الله : «الله لا إله إلا هو الحي القيوم ..». وأجمع آية في كتاب الله للخير والشر : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ) وأكثر آية في كتاب الله تفويضا : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ..). وأشد آية في كتاب الله رجاء : (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً ..) (٢).
ثم أمرهم ـ سبحانه ـ بالوفاء بالعهود فقال : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ ..).
والعهد : ما من شأنه أن يراعى ويحفظ ، كاليمين والوصية وما يشبههما.
وعهد الله : أوامره ونواهيه وتكاليفه الشرعية التي كلف الناس بها ، والوفاء بعهد الله ـ تعالى ـ : يتأتى بتنفيذ أوامره وتكاليفه ، واجتناب ما نهى عنه.
قال القرطبي : قوله ـ تعالى ـ : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ ...) لفظ عام لجميع ما يعقد باللسان ، ويلتزمه الإنسان من بيع أو صلة ، أو مواثقة في أمر موافق للديانة.
وهذه الآية مضمن قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ) لأن المعنى فيها : افعلوا كذا ، وانتهوا عن كذا ، فعطف على ذلك التقدير.
وقد قيل إنها نزلت في بيعة النبي صلىاللهعليهوسلم على الإسلام. وقيل : نزلت في التزام الحلف الذي كان في الجاهلية ، وجاء الإسلام بالوفاء به ـ كحلف الفضول ـ.
والعموم يتناول كل ذلك ... (٣).
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٥٨٣.
(٢) تفسير فتح القدير ج ٥ ص ٢٨٩.
(٣) تفسير القرطبي ج ١٠ ص ١٦٩.