والمعنى : إن الله يأمركم ـ أيها المسلمون ـ بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى ، ويأمركم ـ أيضا ـ بالوفاء بالعهود التي التزمتم بها مع الله ـ تعالى ـ أو مع الناس.
والآيات التي وردت في وجوب الوفاء بالعهود كثيرة ومن ذلك قوله ـ تعالى ـ : (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً) (١).
وخص ـ سبحانه ـ الأمر بالوفاء بالعهد بالذكر ـ مع أنه داخل في المأمورات التي اشتملت عليها الآية السابقة كما أشار إلى ذلك القرطبي في كلامه السابق ـ لأن الوفاء بالعهود من آكد الحقوق وأوجبها على الإنسان.
وقوله تعالى : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) (٢).
ومن الأحاديث التي وردت في ذلك ما رواه الشيخان عن أبى هريرة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا ائتمن خان». (٣).
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها ...) تأكيد للأمر بالوفاء ، وتحذير من الخيانة والغدر.
والنقض في اللغة : حقيقة في فسخ ما ركب بفعل يعاكس الفعل الذي كان به التركيب. واستعمل هنا على سبيل المجاز في إبطال العهد.
والأيمان : جمع يمين. وتطلق بمعنى الحلف والقسم. وأصل ذلك أن العرب كانوا إذا أرادوا توثيق عهودهم بالقسم يقسمونه ، ووضع كل واحد من المتعاهدين يمينه في يمين صاحبه.
أى : كونوا أوفياء بعهودكم ، ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها ، أى : بعد توثيقها وتغليظها عن طريق تكرارها بمرة ومرتين ، أو عن طريق الإتيان فيها ببعض أسماء الله ـ تعالى ـ وصفاته.
وقوله ـ تعالى ـ : (بَعْدَ تَوْكِيدِها) للإشعار بأن نقض الأيمان وإن كان قبيحا في كل حالة ، فهو في حالة توكيد الأيمان وتغليظها أشد قبحا.
ولذا قال بعض العلماء : وهذا القيد لموافقة الواقع ، حيث كانوا يؤكدون أيمانهم في
__________________
(١) سورة الإسراء الآية ٣٤.
(٢) سورة البقرة الآية ٤٠.
(٣) رياض الصالحين للإمام النووي ص ٣٠٢.