المعاهدة ، وحينئذ فلا مفهوم له ، فلا يختص النهى عن النقض بحالة التوكيد ، بل نقض اليمين منهى عنه مطلقا. أو يراد بالتوكيد القصد ، ويكون احترازا عن لغو اليمين. وهي الصادرة عن غير قصد للحلف» (١).
وقال الإمام ابن كثير ما ملخصه : ولا تعارض بين هذه الآية وبين قوله صلىاللهعليهوسلم فيما ثبت عنه في الصحيحين أنه قال : «إنى والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها ، إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها ـ وفي رواية ـ وكفرت عن يميني» لأن هذه الأيمان المراد بها في الآية : الداخلة في العهود والمواثيق ، لا الأيمان التي هي واردة في حث أو منع ..» (٢).
والخلاصة ، أن الآية الكريمة تنهى المؤمن عن نقض الأيمان نهيا عاما ، إلا أن السنة النبوية الصحيحة قد خصصت هذا التعميم بإباحة نقض اليمين إذا كانت مانعة من فعل خير ، ويؤيد هذا التخصيص قوله ـ تعالى ـ : (وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ ..) (٣).
وجملة «وقد جعلتم الله عليكم كفيلا ..» حال من فاعل «تنقضوا» ، وهي مؤكدة لمضمون ما قبلها من وجوب الوفاء بالعهود والنهى عن نقضها.
والكفيل : من يكفل غيره ، أى : يضمنه في أداء ما عليه.
أى : ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها ، والحال أنكم قد جعلتم الله ـ تعالى ـ ضامنا لكم فيما التزمتم به من عهود ، وشاهدا ورقيبا على أقوالكم وأعمالكم.
فالجملة الكريمة تحذر المتعاهدين من النقض بعد أن جعلوا الله ـ تعالى ـ كفيلا عليهم.
ثم ختم ـ سبحانه ـ الآية الكريمة بهذا التهديد الخفى فقال ـ تعالى ـ : (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ). أى : إن الله ـ تعالى ـ يعلم ما تفعلون من الوفاء أو النقض ، وسيجاز بكم بما تستحقون من خير أو شر ، فالمراد من العلم لازمه ، وهو المجازاة على الأعمال.
ثم ضرب ـ سبحانه ـ مثلا لتقبيح نقض العهد ، فقال ـ تعالى ـ : (وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً).
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ٥٩٤.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٥٨٣.
(٣) راجع تفسير هذه الآية في تفسيرنا لسورة البقرة ص ٤٩٩.