وقوله : (غَزْلَها) اى : مغزولها ، فهو مصدر بمعنى المفعول. والفعل منه غزل يغزل ـ بكسر الزاى .. من باب ضرب. يقال غزلت المرأة الصوف أو القطن غزلا.
والجار والمجرور في قوله (مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ) متعلق بالفعل (نَقَضَتْ) أى : نقضته وأفسدته من بعد إبرامه وإحكامه.
و (أَنْكاثاً) حال مؤكدة من (غَزْلَها) ، ويجوز أن يكون مفعولا ثانيا ، بتضمين الفعل نقضت معنى صيرت أو جعلت.
والأنكاث : جمع نكث ـ بكسر النون ـ ، بمعنى منكوث أى منقوض ، وهو ما نقض وحل فتله ليغزل ثانيا ، والجمع أنكاث كحمل وأحمال.
يقال : نكث الرجل العهد نكثا ـ من باب قتل ـ إذا نقضه ونبذه ، ومنه قوله ـ تعالى ـ (فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ).
قال ابن كثير : هذه امرأة خرقاء كانت بمكة ، كلما غزلت شيئا نقضته بعد إبرامه.
وقال مجاهد وقتادة وابن زيد : هذا مثل لمن نقض عهده بعد توكيده. وهذا أرجح وأظهر سواء أكان بمكة امرأة تنقض غزلها أم لا (١).
والمعنى : كونوا ـ أيها المسلمون ـ أوفياء بعهودكم ، ولا تنقضوها بعد إبرامها ، فإنكم إن نقضتموها كان مثلكم كمثل تلك المرأة الحمقاء ، التي كانت تفتل غزلها فتلا محكما ، ثم تنقضه بعد ذلك ، وتتركه مرة أخرى قطعا منكوثة محلولة ..
فالجملة الكريمة تحقر في كل جزئية من جزئياتها ، حال من ينقض العهد ، وتشبهه على سبيل التنفير والتقبيح بحال امرأة ملتاثه في عقلها ، مضطربة في تصرفاتها.
وقوله ـ سبحانه ـ : (تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ).
إبطال للأسباب التي كان يتخذها بعض الناس ذرائع ومبررات لنقض العهود.
والدّخل ـ بفتح الخاء ـ : المكر والغش والخديعة. وهو في الأصل اسم للشيء الذي يدخل في غيره وليس منه.
قال الراغب : والدخل كناية عن الفساد والعداوة المستبطنة ، كالدّغل ، وعن الدعوة في النسب ... ومنه قيل : شجرة مدخولة ـ أى ليست من جنس الأشجار التي حولها (٢).
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٥٨٤.
(٢) المفردات في غريب القرآن للراغب الاصفهانى ص ١٦٦.