وقوله (أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ ...) متعلق بقوله (تَتَّخِذُونَ).
وقوله (أَرْبى) مأخوذ من الربو بمعنى الزيادة والكثرة. يقال : ربا الشيء يربو إذا زاد وكثر.
والمعنى : لا تكونوا مشبهين لامرأة هذا شأنها ، حالة كونكم متخذين أيمانكم وأقسامكم وسيلة للغدر والخيانة ، من أجل أن هناك جماعة أوفر عددا وأكثر مالا من جماعة أخرى.
قال القرطبي : قال المفسرون : نزلت هذه الآية في العرب الذين كانت القبيلة منهم إذا حالفت أخرى ، ثم جاءت إحداهما قبيلة أخرى كبيرة قوية فداخلتها غدرت بالأولى ونقضت عهدها ، ورجعت إلى هذه الكبرى ، فنهاهم الله ـ تعالى ـ : أن ينقضوا العهود من أجل أن طائفة أكثر من طائفة أخرى ، أو أكثر أموالا ...
وقال الفراء : المعنى : لا تغدروا بقوم لقلتهم وكثرتكم ، أو لقلتكم وكثرتهم وقد عززتموهم بالأيمان (١).
وقال ابن كثير : قال مجاهد : كانوا يحالفون الحلفاء ، فيجدون أكثر منهم وأعز ، فينقضون حلف هؤلاء ويحالفون أولئك الذين هم أكثر وأعز ، فنهوا عن ذلك (٢).
والخلاصة : أن الآية الكريمة تدعو إلى وجوب الوفاء بالعهود في جميع الأحوال ، وتنهى عن اللجوء إلى الذرائع الباطلة ، من أجل نقض العهود ، إذ الإسلام لا يقر هذه الذرائع وتلك المبررات ، بدعوى أن هناك جماعة أقوى من جماعة ، أو دولة أعز من دولة ، وإنما الذي يقره الإسلام هو مراعاة الوفاء بالعهود ، وعدم اتخاذ الأيمان وسيلة للغش والخداع.
والضمير المجرور في قوله : (إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ) يعود على مضمون الجملة المتقدمة وهي قوله ـ تعالى ـ : (أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ).
أى : إنما يبلوكم الله ويختبركم بكون أمة أربى من أمة ، لينظر أتفون بعهودكم أم لا. وإلى هذا المعنى أشار صاحب الكشاف بقوله : قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ) الضمير لقوله : (أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ ...) لأنه في معنى المصدر. أى : إنما يختبركم بكونهم أربى ، لينظر أتتمسكون بحبل الوفاء بعهد الله ، وما عقدتم على أنفسكم ووكدتم من أيمان البيعة لرسول الله صلىاللهعليهوسلم أم تغترون بكثرة قريش وثروتهم وقوتهم. وقلة المؤمنين وفقرهم وضعفهم (٣).
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١٠ ص ١٧١.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٥٨٤.
(٣) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٦٣١.