ويدل على صحة هذا التأويل ، أن الضمير في قوله (لا يُؤْمِنُونَ بِهِ) عائد على القرآن بالإجماع ، فوجب أن يكون الضمير في (نَسْلُكُهُ) عائدا إليه ـ أيضا ـ لأنهما ضميران متعاقبان فيجب عودهما إلى شيء واحد ...» (١).
وقوله ـ سبحانه ـ (وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ) تهديد لهؤلاء المكذبين من كفار مكة ومن سار على شاكلتهم ، وتكملة للتسلية لرسول الله صلىاللهعليهوسلم.
أى : وقد مضت سنة الله التي لا تتخلف وطريقته المألوفة بأن ينزل عذابه بالمجرمين ، كما أنزله بالأمم الماضية ، بسبب تكذيبها لرسلها ، واستهزائها بهم فلا تحزن ـ أيها الرسول الكريم ـ لما أصابك من سفهاء قومك فسننصرك عليهم.
وأضاف ـ سبحانه ـ السنة إلى الأولين ، باعتبار تعلقها بهم ، وإنما هي سنة الله فيهم لأنها المقصود هنا ، والإضافة لأدنى ملابسة.
ثم ختم ـ سبحانه ـ هذه الآيات الكريمة برسم صورة عجيبة لعناد هؤلاء المكذبين ولجحودهم للحق بعد ما تبين فقال : (وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ ، لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ).
وقوله ـ سبحانه ـ (وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ ..) معطوف على قوله (لا يُؤْمِنُونَ بِهِ ..) لإبطال معاذيرهم ، ولبيان أن سبب عدم إيمانهم هو الجحود والعناد ، وليس نقصان الدليل والبرهان على صحة ما جاء به النبي صلىاللهعليهوسلم.
قال الإمام الرازي. وقوله ـ تعالى ـ (فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ) يقال : ظل فلان نهاره يفعل كذا ، إذا فعله بالنهار ، ولا تقول العرب ظل يظل إلا لكل عمل بالنهار ، كما لا يقولون بات يبيت إلا بالليل. والمصدر الظلول (٢).
ويعرجون : من العروج ، وهو الذهاب في صعود ، وفعله من باب دخل ، يقال عرج فلان إلى الجبل يعرج إذا صعد ، ومنه المعراج والمعارج أى المصاعد.
وقوله (سُكِّرَتْ) من السّكر ـ بفتح السين المشددة وسكون الكاف ـ بمعنى السد والحبس والمنع ، يقال سكرت الباب أسكره سكرا ، إذا سددته ، والتشديد في (سُكِّرَتْ) للمبالغة ، وهو قراءة الجمهور. وقرأ ابن كثير (سُكِّرَتْ) ، بكسر الكاف بدون تشديد.
__________________
(١) راجع تفسير الفخر الرازي ج ٩ ص ٦٣ طبعة عبد الرحمن محمد.
(٢) تفسير الفخر الرازي ج ١٩ ص ١٦٦.