قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ) على معنى أن يلقيه في قلوبهم مكذبا مستهزئا به غير مقبول ، كما لو أنزلت بلئيم حاجة فلم يجبك إليها : فقلت : كذلك أنزلها باللئام : تعنى مثل هذا الإنزال أنزلها بهم مردودة غير مقضية.
ومحل قوله (لا يُؤْمِنُونَ بِهِ) النصب على الحال ، أى : غير مؤمن به. أو هو بيان لقوله (كَذلِكَ نَسْلُكُهُ ..) (١).
وقد زكى هذا الوجه صاحب الانتصاف فقال : والمراد ـ والله أعلم ـ إقامة الحجة على المكذبين ، بأن الله ـ تعالى ـ سلك القرآن في قلوبهم ، وأدخله في سويدائها ، كما سلك ذلك في قلوب المؤمنين المصدقين ، فكذب به هؤلاء ، وصدق به هؤلاء ، كل على علم وفهم (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ ...) ، ولئلا يكون للكفار حجة بأنهم ما فهموا وجوه الإعجاز كما فهمها من آمن ...» (٢).
ويرى بعض المفسرين ـ كالإمام ابن جرير ـ أن الضمير في نسلكه يعود إلى الكفر الذي سلكه الله في قلوب المكذبين السابقين ، أما الضمير في (بِهِ) فيعود إلى القرآن الكريم ، فقد قال : قوله ـ تعالى ـ (كَذلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهِ ...)
يعنى : كما سلكنا الكفر في قلوب شيع الأولين بالاستهزاء بالرسل ، كذلك نفعل ذلك في قلوب مشركي قومك الذين أجرموا بسبب الكفر بالله.
(لا يُؤْمِنُونَ بِهِ) يقول : لا يصدقون بالذكر الذي أنزل إليك. (٣).
ومع أن هذا التفسير الذي ارتضاه شيخ المفسرين ابن جرير له وجاهته ، إلا أننا نميل إلى التفسير الأول الذي ارتضاه صاحب الكشاف ، لأنه هو المتبادر من معنى الآية ، ومن المفسرين الذين رجحوا ذلك الفخر الرازي ، فقد قال ـ رحمهالله ـ خلال كلام طويل ما ملخصه : «التأويل الصحيح أن الضمير في قوله ـ تعالى ـ (كَذلِكَ نَسْلُكُهُ) عائد إلى الذكر ، الذي هو القرآن ، فإنه ـ تعالى ـ قال قبل هذه الآية (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ) وقال بعده (كَذلِكَ نَسْلُكُهُ) أى : هكذا نسلك القرآن في قلوب المجرمين.
والمراد من هذا السلك ، هو أنه ـ تعالى ـ يسمعهم هذا القرآن ، ويخلق في قلوبهم حفظه والعلم بمعانيه. إلا أنهم مع هذه الأحوال لا يؤمنون به عنادا وجهلا ..
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٣٨٨.
(٢) حاشية الكشاف ج ٢ ص ٣٨٨.
(٣) تفسير ابن جرير ج ١٤ ص ٩.