وذلك لأن المكذبين في كل زمان ومكان يتشابهون في الطباع الذميمة ، وفي الأخلاق القبيحة : كمال قال ـ تعالى ـ (كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ. أَتَواصَوْا بِهِ ، بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ) (١).
والجار والمجرور (مِنْ قَبْلِكَ) متعلق بأرسلنا ، أو بمحذوف وقع نعتا لمفعوله المحذوف. أى : ولقد أرسلنا رسلا كائنة من قبلك.
وإضافة الشيع إلى الأولين من إضافة الموصوف إلى صفته عند بعض النحاة ، أو من حذف الموصوف عند البعض الآخر ، أى شيع الأمم الأولين.
وعبر بقوله ـ سبحانه ـ (إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) للإشعار بأن الاستهزاء بالرسل كان طبيعة فيهم ـ كما يومئ إليه لفظ كان ، وأنه متكرر منهم ـ كما يفيده التعبير بالفعل المضارع ـ والكاف في قوله (كَذلِكَ نَسْلُكُهُ ..) للتشبيه ، واسم الإشارة «ذلك» يعود إلى السلك المأخوذ من نسلكه.
والسلك مصدر سلك ـ من باب نصر ـ وهو إدخال الشيء في الشيء ، كإدخال الخيط في المخيط.
والضمير المنصوب في «نسلكه» يعود إلى القرآن الكريم الذي سبق الحديث عنه.
والمراد بالمجرمين في قوله (فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ) مشركو قريش ومن لف لفهم.
والمعنى : كما سلكنا كتب الرسل السابقين في قلوب أولئك المستهزئين نسلك القرآن في قلوب هؤلاء المجرمين من قومك يا محمد ، بأن نجعلهم يسمعونه ويفهمونه ويدركون خصائصه دون أن يستقر في قلوبهم استقرار تصديق وإذعان لاستيلاء الجحود والعناد والحسد عليهم.
وقوله (لا يُؤْمِنُونَ بِهِ) بيان للسلك المشبه به ، أو حال من المجرمين.
أى : أدخلنا القرآن في قلوبهم ففهموه ، ولكنهم لا يؤمنون به عنادا وجحودا.
وعلى هذا التفسير يكون الضمير في (نَسْلُكُهُ) وفي (بِهِ) يعودان إلى القرآن الكريم ، الذي سبق الحديث عنه في قوله ـ تعالى ـ (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ).
ومن المفسرين الذين ذكروا هذا الوجه ولم يذكروا سواه صاحب الكشاف ، فقد قال : «والضمير في قوله (نَسْلُكُهُ) ، للذكر : أى : مثل ذلك السلك ونحوه نسلك الذكر(فِي
__________________
(١) سورة الذاريات الآيتان ٥٢ ، ٥٣.