والعرب تعد المعرفة لمواقع النجوم وأبوابها من أجل العلوم ، ويستدلون بها على الطرقات والأوقات والخصب والجدب ...
وقال الحسن وقتادة : البروج : النجوم ، وسميت بذلك لظهورها وارتفاعها ...
وقيل البروج : الكواكب العظام ... (١).
قال بعض العلماء ومرجع الأقوال كلها إلى شيء واحد ، لأن أصل البروج في اللغة الظهور ، ومنه تبرج المرأة ، بإظهار زينتها ، فالكواكب ظاهرة ، والقصور ظاهرة ، ومنازل الشمس والقمر كالقصور بجامع أن الكل محل ينزل فيه .. (٢).
و (جَعَلْنا) أى خلقنا وأبدعنا ، فيكون قوله (فِي السَّماءِ) متعلقا به ، وجوز أن يكون بمعنى التصيير ، فيكون قوله. في السماء. متعلقا بمحذوف على أنه مفعول ثان له و (بُرُوجاً) هو المفعول الأول.
أى : ولقد خلقنا وأبدعنا منازل وطرقا في السماء ، تسير فيها الكواكب بقدراتنا ، وإرادتنا ، وحكمتنا ، دون خلل أو اضطراب.
وفي ذلك الخلق ما فيه من منافع لكم ، حيث تستعملون هذه البروج في ضبط المواقيت وفي تحديد الجهات ، وفي غير ذلك من المنافع ، كما قال ـ تعالى ـ (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً ، وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ ، لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ ، ما خَلَقَ اللهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (٣).
وافتتح ـ سبحانه ـ الآية الكريمة بلام القسم وقد ، تنزيلا للمخاطبين الذاهلين عن الالتفات إلى مظاهر قدرة الله ـ تعالى ـ منزلة المنكرين ، فأكد لهم الكلام بمؤكدين لينتبهوا ويعتبروا.
والضمير في قوله (وَزَيَّنَّاها ...) يعود إلى السماء. أى : وزينا السماء بتلك البروج المختلفة الأشكال والأضواء ، لتكون جميلة في عيون الناظرين إليها ، وآية للمتفكرين في دلائل قدرة الله ـ تعالى ـ وبديع صنعه.
وهذه الجملة الكريمة ، تلفت الأنظار إلى أن الجمال غاية مقصودة في خلق هذا الكون ، كما
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١٠ ص ٩.
(٢) تفسير أضواء البيان ج ٣ ص ١٢١ الشيخ محمد الأمين الشنقيطى.
(٣) سورة يونس الآية ٥.