تشعر المؤمنين بأن من الواجب عليهم أن يجعلوا حياتهم مبنية على الجمال في الظاهر وفي الباطن ، تأسيا بسنة الله ـ تعالى ـ في خلق هذا الكون.
ثم وضح ـ سبحانه ـ بأن هذا التزيين للسماء ، مقرون بالحفظ والصيانة والطهارة من كل رجس فقال ـ تعالى ـ (وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ).
والمراد بالشيطان هنا : المتمرد من الجن ، مشتق من شطن بمعنى بعد ، إذ الشيطان بعيد بطبعه عن كل خير.
والرجيم ، أى المرجوم المحقر ، مأخوذ من الرجم ، لأن العرب كانوا إذا احتقروا أحدا رجموه بالقطع من الحجارة ، وقد كان العرب يرجمون قبر أبى رغال الثقفي ، الذي أرشد جيش الحبشة إلى مكة لهدم الكعبة. قال جرير :
إذا مات الفرزدق فارجموه |
|
كما ترمون قبر أبى رغال |
والمعنى : ولقد جعلنا في السماء منازل وطرقا للكواكب ، وزيناها ـ أى السماء ـ للناظرين إليها ، وحفظناها من كل شيطان محقر مطرود من رحمتنا بأن منعناه من الاستقرار فيها ، ومن أن ينفث فيها شروره ومفاسده ، لأنها موطن الأخيار الأطهار.
قال ـ تعالى ـ : (إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ) (١).
وقال ـ تعالى ـ : (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ ....) (٢).
وقوله ـ سبحانه ـ : (إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ) في محل نصب على الاستثناء واستراق السمع : اختلاسه وسرقته ، والمراد به : الاستماع إلى المتحدث خفية ، حتى لكأن المستمع يسرق من المتكلم كلامه الذي يخفيه عنه ، فالسمع هنا بمعنى المسموع من الكلام.
والشهاب : هو الشعلة الساطعة من النار ، المنفصلة من الكواكب التي ترى في السماء ليلا ، كأنها كوكب ينقض بأقصى سرعة. وجمعه شهب .. أصله من الشهبة ، وهي بياض مختلط بسواد.
و (مُبِينٌ) أى ظاهر واضح للمبصرين.
__________________
(١) سورة الصافات الآيتان ٦ ، ٧.
(٢) سورة الملك الآية ٥.