أى : أنه قابل (لِأَنْفُسِكُمْ) بقوله (فَلَها). وقال الطبري اللام بمعنى إلى أى : فإليها ترجع الإساءة.
وقيل : اللام بمعنى على. أى : فعليها ، كما في قول الشاعر : فخر صريعا لليدين وللفم (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ ما يحل بهم من دمار ، بعد إفسادهم للمرة الثانية ، فقال ـ تعالى ـ : (فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ ، لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ ، وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ ، وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً).
والكلام أيضا هنا على حذف مضاف ، وجواب إذا محذوف دل عليه ما تقدم وهو قوله (بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا) فإذا جاء وقت عقوبتكم يا بنى إسرائيل على إفسادكم الثاني في الأرض ، بعثنا عليكم أعداءكم ليسوءوا وجوهكم أى : ليجعلوا آثار المساءة والحزن بادية على وجوهكم ، من شدة ما تلقونه منهم من إيداء وقتل.
قال الجمل ما ملخصه : وقوله (لِيَسُوؤُا) الواو للعباد أولى البأس الشديد.
وفي عود الواو على العباد نوع استخدام ، إذ المراد بهم أولا جالوت وجنوده ، والمراد بهم هنا بختنصر وجنوده.
وقرأ ابن عامر وحمزة بالياء المفتوحة والهمزة المفتوحة آخر الفعل ليسوء والفاعل إما الله ـ تعالى ـ وإما الوعد ، وإما البعث.
وقرأ الكسائي لنسوء ـ بنون العظمة. أى : لنسوء نحن وهو موافق لما قبله ، من قوله : بعثنا ، ورددنا ، وأمددنا ، ولما بعده من قوله : عدنا ، وجعلنا ، وقرأ الباقون. ليسوءوا ، مسندا إلى ضمير الجمع العائد على العباد ، وهو موافق لما بعده من قوله : (وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ وَلِيُتَبِّرُوا) (٢).
وقال الإمام الرازي : ويقال ساءه يسوءه إذا أحزنه ، وإنما عزا ـ سبحانه ـ الإساءة إلى الوجوه ، لأن آثار الأعراض النفسية الحاصلة في القلب إنما تظهر على الوجه ، فإن حصل الفرح في القلب ظهر الإشراق في الوجه ، وإن حصل الحزن والخوف في القلب ، ظهر الكلوح في الوجه (٣).
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ) معطوف على ما قبله وهو قوله ـ سبحانه ـ (لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ).
__________________
(١) تفسير البحر المحيط ج ٦ ص ١١.
(٢) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ٦١٧.
(٣) تفسير الفخر الرازي ج ٢ ص ١٥٩.