والمراد بالمسجد : المسجد الأقصى الذي ببيت المقدس ، وقوله «كما دخلوه» صفة لمصدر محذوف.
والمعنى : وليدخلوا المسجد دخولا كائنا كدخولهم إياه أول مرة.
قال أبو حيان : ومعنى (كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ) أى بالسيف والقهر والغلبة والإذلال (١).
أى : أن المراد من التشبيه ، بيان أن الأعداء في كل مرة أذلوا بنى إسرائيل وقتلوهم وقهروهم.
وقوله ـ تعالى ـ : (وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً) يشعر بشدة العقوبة التي أنزلها أولئك العباد ببني إسرائيل ، إذ التتبير معناه الإهلاك والتدمير والتخريب لكل ما تقع عليه. ومنه قول الشاعر :
وما الناس إلا عاملان فعامل |
|
يتبر ما يبنى وآخر رافع |
أى : يخرب ويهد ما يبنى.
و «ما» في قوله (ما عَلَوْا) اسم موصول مفعول يتبروا : وهو عبارة عن البلاد والأماكن التي هدموها ، والعائد محذوف ، وتتبيرا مفعول مطلق مؤكد لعامله.
أى : وليدمرا ويخربوا البلاد والأماكن التي علوا عليها ، وصارت في حوزتهم ، تدميرا تاما لا مزيد عليه.
وبذلك نرى أن العباد الذين سلطهم الله ـ تعالى ـ على بنى إسرائيل ، عقب إفسادهم الثاني في الأرض ، لم يكتفوا بجوس الديار ، بل أضافوا إلى ذلك إلقاء الحزن والرعب في قلوبهم ، ودخول المسجد الأقصى فاتحين ومخربين ، وتدمير كل ما وقعت عليه أيديهم تدميرا فظيعا لا يوصف.
ثم ختم ـ سبحانه ـ الآيات الكريمة ببيان أن هذا الدمار الذي حل ببني إسرائيل بسبب إفسادهم في الأرض مرتين ، قد يكون طريقا لرحمتهم ، وسببا في توبتهم وإنابتهم ، إن فتحوا قلوبهم للحق ، واعتبروا بالأحداث الماضية ، وفهموا عن الله ـ تعالى ـ سنته التي لا تتخلف ، وهي أن الإحسان يؤدى إلى الفلاح والظفر ، والإفساد يؤدى إلى الخسران والهلاك.
وقد عبر القرآن الكريم عن هذه المعاني أبلغ تعبير وأحكمه. فقال ـ تعالى ـ : (عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ ، وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا ، وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً).
__________________
(١) تفسير البحر المحيط ج ٥ ص ١١.