أى : عسى ربكم أن يرحمكم : ويعفو عنكم يا بنى إسرائيل متى أخلصتم له العبادة والطاعة ، وأصلحتم أقوالكم وأعمالكم ، فقد علمتم أنه ـ سبحانه ـ لا ينزل بلاء إلا بذنب ، ولا يرفعه إلا بتوبة.
قال : أبو حيان : وهذه الترجية ليست لرجوع دولة ، وإنما هي من باب ترحم المطيع منهم ، وكان من الطاعة أن يتبعوا عيسى ومحمدا ـ عليهماالسلام ـ ولكنهم لم يفعلوا (١).
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا) إنذار لهم بإنزال العقوبات عليهم ، إن عادوا إلى فسادهم وإفسادهم.
أى : وإن عدتم إلى المعاصي ومخالفة أمرى ، وانتهاك حرماتى ، بعد أن تداركتكم رحمتي ، عدنا عليكم بالقتل والتعذيب وخراب الديار.
ولقد عادوا إلى الكفر والفسوق والعصيان ، حيث أعرضوا عن دعوة الحق التي جاءهم بها الرسول صلىاللهعليهوسلم ، ولم يكتفوا بهذا الإعراض بل هموا بقتله صلىاللهعليهوسلم وأيدوا كل متربص بالإسلام والمسلمين ، فكانت نتيجة ذلك أن عاقبهم النبي صلىاللهعليهوسلم وأصحابه بما يستحقون من إجلاء وتشريد وقتل ..
قال ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ : «عادوا فسلط الله عليهم المؤمنين».
ثم بين ـ سبحانه ـ عقوبتهم في الآخرة فقال : (وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً) أى : إن عدتم إلى معصيتنا في الدنيا عدنا عليكم بالعقوبة الرادعة ، أما في الآخرة فقد جعلنا جهنم للكافرين منكم ومن غيركم «حصيرا» أى : سجنا حاصرا لكم لا تستطيعون الهروب منه ، أو الفكاك عنه ، أو فراشا تفترشونه ، كما قال ـ تعالى ـ : (لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ. وَكَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ).
قال بعض العلماء : قوله (حَصِيراً) فيه وجهان : الأول : أن الحصير المحبس والسجن. من الحصر وهو الحبس : يقال حصره يحصره حصرا ، إذا ضيق عليه وأحاط به.
والثاني أن الحصير : البساط والفراش ، من الحصير الذي يفرش ، لأن العرب تسمى البساط الصغير حصيرا ..» (٢).
وبذلك نرى الآيات الكريمة ، قد حكت لنا قضاء الله ـ تعالى ـ في بنى إسرائيل ، وساقت لنا لكي نعتبر ونتعظ ألوانا من سنن الله ـ تعالى ـ التي لا تتخلف ، والتي من أبرزها أن
__________________
(١) تفسير البحر المحيط ج ٦ ص ١١.
(٢) تفسير أضواء البيان ج ٣ ص ٣٧٢ للمرحوم الشيخ محمد الأمين الشنقيطى.