الأول ، هم جالوت وجنوده. ونستند في اختيارنا لهذا الرأى إلى أمور من أهمها ما يلي :.
١ ـ ذكر القرآن الكريم في سورة البقرة ، عند عرضه لقصة القتال الذي دار بين طالوت قائد بنى إسرائيل ، وبين «جالوت» قائد أعدائهم ، ما يدل على أن بنى إسرائيل كانوا قبل ذلك مقهورين مهزومين من أعدائهم.
ويتجلى هذا المعنى في قوله ـ تعالى ـ : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى ، إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ ، قالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلَّا تُقاتِلُوا قالُوا وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا ..).
فقولهم ـ كما حكى القرآن عنهم ـ (وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا ..) يدل دلالة قوية ، على أنهم كانوا قبل قتالهم لجالوت مهزومين هزيمة اضطرتهم إلى الخروج عن ديارهم ، وإلى مفارقة أبنائهم.
٢ ـ قوله ـ تعالى ـ : (ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ) صريح في أن الله ـ تعالى ـ نصر بنى إسرائيل ـ بعد أن تابوا وأنابوا ـ على أعدائهم.
وهذا المعنى ينطبق على ما قصه القرآن علينا ، من أن بنى إسرائيل بقيادة طالوت قد انتصروا على جالوت وجنوده ..
قال ـ تعالى ـ : (وَلَمَّا بَرَزُوا) (١) (لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ ، قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً ، وَثَبِّتْ أَقْدامَنا ، وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ. فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللهِ ، وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ ، وَآتاهُ اللهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ ، وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ ..).
ولقد كان هذا النصر نعمة كبرى لبنى إسرائيل ، فقد جاءهم بعد أن أخرجوا من ديارهم وأبنائهم ، وبعد أن اعترضوا على اختيار طالوت ملكا عليهم ، وبعد أن قاتل مع طالوت عدد قليل منهم. ولا شك أن النصر في هذه الحالة ، أدعى لطاعة الله ـ تعالى ـ وشكره على آلائه.
٣ ـ قوله ـ تعالى ـ : (وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً) أكثر ما يكون انطباقا على عهد حكم طالوت ، وداود ، وسليمان لهم.
ففي هذا العهد الذي دام زهاء ثمانين سنة ، ازدهرت مملكتهم ، وعز سلطانهم وأمدهم الله خلاله بالأموال الوفيرة ، وبالبنين الكثيرة ، وجعلهم أكثر من أعدائهم عددا وقوة.
__________________
(١) أى بنو إسرائيل.