أما بعد هذا العهد ، بل وقبل هذا العهد ، فقد كانت حياتهم سلسلة من المآسى والنكبات ..
فبعد موت سليمان ـ عليهالسلام ـ سنة ٩٧٥ ق. م تقريبا ، انقسمت مملكتهم إلى قسمين : مملكة يهوذا في الجنوب ، ومملكة إسرائيل في الشمال ، واستمرتا في صراع ونزاع حتى قضى الآشوريون سنة ٧٢١ ق. م على مملكة إسرائيل ، وقضى «بختنصر» على مملكة يهوذا سنة ٥٨٨ ق. م.
٤ ـ ذكر بعض المفسرين أن العباد الذين سلطهم الله عليهم بعد إفسادهم الأول هم جالوت وجنوده.
أخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن ابن عباس في قوله : (فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ) قال : بعث الله عليهم في الأولى جالوت ، فجاس خلال ديارهم ، فسألوا الله ـ تعالى ـ أن يبعث لهم ملكا ، فبعث لهم طالوت ، فقاتلوا جالوت ، وانتصروا عليه ، وقتل داود جالوت ، ورجع إلى بنى إسرائيل ملكهم. فلما أفسدوا بعث الله عليهم في المرة الآخرة «بختنصر» فخرب المساجد ، وتبر ما علوا تتبيرا .. (١).
هذه بعض الأدلة التي تجعلنا نرجح أن المراد بالعباد الذين سلطهم الله ـ تعالى ـ على بنى إسرائيل بعد إفسادهم الأول في الأرض ، هم جالوت وجنوده.
أما العباد الذين سلطهم الله عليهم بعد إفسادهم الثاني ، فيرى كثير من المفسرين أنهم «بختنصر» وجنوده.
وهذا الرأى ليس ببعيد عن الصواب ، لما ذكرنا قبل ذلك من تنكيله بهم ، وسوقهم أسارى إلى بابل سنة ٥٨٨ ق. م.
إلا أننا نؤثر على هذا الرأى ، أن يكون المسلط عليهم بعد إفسادهم الثاني ، هم الرومان بقيادة زعيمهم ، تيطس سنة ٧٠ م. لأمور من أهمها :.
١ ـ أن الذي يتتبع التاريخ يرى أن رذائل بنى إسرائيل في الفترة التي سبقت تنكيل «تبطس» بهم ، أشد وأكبر من الرذائل التي سبقت إذلال «بختنصر» لهم. فهم ـ على سبيل المثال ـ قبيل بطش الرومان بهم ، كانوا قد قتلوا من أنبياء الله زكريا ويحيى ـ عليهماالسلام ـ ، وكانوا قد حاولوا قتل عيسى ـ عليهالسلام ـ ولكن الله ـ تعالى ـ نجاه من شرورهم.
__________________
(١) تفسير الدر المنثور للسيوطي ج ٤ ص ١٦٣.