ففي صحيح البخاري عن عائشة : أن ناسا سألوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن الكهانة ، فقال : «ليسوا بشيء». ـ أى لا وجود لما يزعمونه ـ فقيل ـ يا رسول الله ، فإنهم يحدثون أحيانا بالشيء فيكون حقا. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «تلك الكلمة من الحق يخطفها الجنى فيقرّها في أذن وليه قرّ الدجاجة ـ أى فيلقيها بصوت خافت كالدجاجة عند ما تخفى صوتها ـ فيخلطون فيها أكثر من مائة كذبة» (١).
وبعد أن بين ـ سبحانه ـ بعض الدلائل السماوية الدالة على قدرته ووحدانيته ، أتبع ذلك ببيان بعض الدلائل الأرضية فقال ـ تعالى ـ : (وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ ، وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ). وقوله : (رَواسِيَ) من الرسو وهو ثبات الأجسام الثقيلة. يقال رسا الشيء يرسو أى ثبت.
أى : ومن الأدلة ـ أيضا ـ على وحدانيتنا وقدرتنا ، أننا مددنا الأرض وفرشناها وبسطناها ، لتتيسر لكم الحياة عليها قال ـ تعالى ـ (وَالْأَرْضَ فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ) (٢).
وأننا ـ أيضا وضعنا فيها جبالا ثوابت راسخات تمسكها عن الاضطراب وعن أن تميد بكم. قال ـ تعالى ـ : (خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ، وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ ...) (٣).
وأننا ـ أيضا ـ أنبتنا في الأرض من كل شيء (مَوْزُونٍ) أى : مقدر بمقدار معين وموزون بميزان الحكمة ، بحيث تتوفر فيه كل معاني الجمال والتناسق.
قال ـ تعالى ـ : (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) (٤).
وأننا ـ كذلك ـ (جَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ ...) والمعايش : جمع معيشة ، وهي في الأصل مصدر عاش يعيش عيشا وعيشة ومعاشا ، ومعيشة ، إذا صار ذا حياة. ثم استعمل هذا اللفظ فيما يعاش به ، أو فيما يتوصل به إلى العيش.
أى : وجعلنا لكم في الأرض ما تعيشون به من المطاعم والمشارب والملابس وغيرها ، مما تقتضيه ضرورات الحياة التي تحيونها.
__________________
(١) راجع تفسير التحرير والتنوير للشيخ محمد الطاهر بن عاشور ج ١٤ ص ٢٤.
(٢) سورة الذاريات الآية ٤٨.
(٣) سورة لقمان الآية ١٠.
(٤) سورة القمر الآية ٤٩.