وجملة (وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ) معطوفة على «معايش».
والمراد بمن لستم له برازقين : ما يشمل الأطفال والعجزة والأنعام وغير ذلك من مخلوقات الله التي تحتاج إلى العون والمساعدة.
أى : وجعلنا لكم في الأرض ما تعيشون به أو ما تتوصلون به إلى ذلك من المكاسب والتجارات ، وجعلنا لكم فيها ـ أيضا ـ من لستم له برازقين من العيال والخدم والدواب ... وإنما الرازق لهم هو الله ـ تعالى ـ رب العالمين ، إذ ما من دابة في الأرض إلا على الله وحده رزقها. وما يزعمه الجاهلون من أنهم هم الرازقون لغيرهم ، هو لون من الغرور والافتراء ، لأن الرازق للجميع هو الله رب العالمين.
وعبر بمن في قوله (وَمَنْ لَسْتُمْ) تغليبا للعقلاء على غيرهم.
قال الإمام ابن كثير : والمقصود ـ من هذه الجملة ـ أنه ـ تعالى ـ يمتن عليهم بما يسر لهم من أسباب المكاسب ووجوه الأسباب ، وصنوف المعاشات وبما سخر لهم من الدواب التي يركبونها. والأنعام التي يأكلونها ، والعبيد والإماء التي يستخدمونها ، ورزقهم على خالقهم لا عليهم ، فلهم هم المنفعة ، والرزق على الله ـ تعالى ـ» (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ بعد ذلك أن كل شيء في هذا الكون ، خاضع لإرادته وقدرته ، وتصرفه .. فقال ـ تعالى ـ (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ ، وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ).
و «إن» نافية بمعنى ما ، و «من» مزيدة للتأكيد. و «خزائنه» جمع خزانة ، وهي في الأصل تطلق على المكان الذي توضع فيه نفائس الأموال للمحافظة عليها.
والمعنى : وما من شيء من الأشياء الموجودة في هذا الكون ، والتي يتطلع الناس إلى الانتفاع بها. إلا ونحن قادرون على إيجادها وإيجاد أضعافها بلا تكلف أو إبطاء ، كما قال ـ تعالى ـ : (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (٢).
فقد شبه ـ سبحانه ـ اقتداره على إيجاد كل شيء ، بالخزائن المودعة فيها الأشياء ، والمعدة لإخراج ما يشاء إخراجه منها بدون كلفة أو إبطاء.
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٤ ص ٤٤٧.
(٢) سورة يس الآية ٨٢.